الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
8 - قد يلزم الإنسان نفسه بأمر فيلزمه ذلك شرعاً إن لم يخالف الشّرع, بمعنى أنّ الشّرع جعل التزامه سبباً للزوم, ومن ذلك: أ - العقد, فإذا عقدا بينهما عقداً لزمهما حكمه, كعقد البيع مثلاً يلزم به انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري, وملكيّة الثّمن إلى البائع, وكعقد الإجارة يلزم به الأجير العمل, ويلزم المستأجر الأجرة. ومن هذا القبيل أيضاً كل شرطٍ صحيحٍ التزمه العاقد في العقد, فيلزمه, وذلك لقول اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}, وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم», على أنّ بين الفقهاء اختلافاً وتفصيلاً فيما يصح من الشروط وما لا يصح, وينظر ذلك في مصطلح: (اشتراط ف 11 وما بعدها). ب - تصرفات فرديّة قوليّة تلزم المتصرّف أحكامها بمجرّد صدور القول عنه, ومن ذلك الوقف والكفالة والعهد والنّذر واليمين والعتق والطّلاق والرّجعة, ويرجع لمعرفة أحكام كلٍّ منها إلى مصطلحه. ودخول الكافر في الإسلام التزام إجمالي لأحكامه.
9 - يقصد بلزوم العقد عدم جواز فسخه من قبل أحد العاقدين إلا برضا العاقد الآخر, وما جاز للعاقد فسخه بغير رضا العاقد الآخر يسمّى عقداً جائزاً. فالبيع والسّلم والإجارة عقود لازمة, إذ أنّها متى صحّت لا يجوز فسخها بغير التّقايل, ولو امتنع أحد العاقدين عن الوفاء بها أجبر. وعقد النّكاح لازم لا يقبل الفسخ بالتّراضي أصلاً, دون غيره من سائر العقود اللازمة, لأنّه وضع على الدّوام والتّأبيد, وإنّما يفسخ لضرورة عظيمةٍ, وفي قولٍ: يقبل الفسخ بالتّراضي. والوديعة والشّركة والوكالة عقود جائزة, لكلّ من الطّرفين فسخها ولو بغير رضا العاقد الآخر, ومثلها المساقاة والمضاربة والمسابقة والعارية والقرض والاستصناع. وقد يكون العقد لازماً من أحد الطّرفين جائزاً بالنّسبة للآخر, كالرّهن فللمرتهن فسخه دون الرّاهن. وقد يعرض للعقد اللازم ما يجعله جائزاً كالبيع إذا اشترط فيه خيار, أو تبيّن في المبيع عيب, فيكون لمن له الخيار الفسخ, كالإجارة إذا طرأ عذر كما لو استأجر مرضعاً لطفله فمات الطّفل. وقد يعرض للعقد الجائز ما يجعله لازماً ومثال ذلك الوكالة, فهي في الأصل جائزة, فللوكيل أن يفسخها ويعزل نفسه عنها, كما أنّ للموكّل أن يعزله, لكن إن تعلّق حق الوكيل بما وكّل فيه لم يكن للموكّل أن يعزله, كما لو وكّل المستقرض المقرض بقبض دينٍ له ليكون وفاءً للقرض فلا يكون للمستقرض عزله, وكالرّهن المشترط فيه توكيل المدين للمرتهن في بيع المرهون, فلا يكون للرّاهن عزله لما في عزله من إبطال حقّ المرتهن ، وكالمضاربة إذا شرع العامل في العمل تلزم عند المالكيّة, ولا تلزم عند الحنفيّة والشّافعيّة. ومن أثبت خيار المجلس في عقد البيع مثلاً, وهم الشّافعيّة والحنابلة, فإنّ العقد في مدّة المجلس يكون جائزاً, فإن انفضّ المجلس دون أن يختار أحد العاقدين الفسخ, ابتدأ لزوم العقد من حينئذٍ. وقد يكون العقد مختلفاً في مدى لزومه أو جوازه كالهبة مثلاً, فمذهب مالكٍ أنّها تلزم بمجرّد العقد, ومذهب الشّافعيّ وأحمد أنّها لا تلزم إلا بالقبض بإذن الواهب, وفي روايةٍ عن أحمد أنّها قبل القبض جائزة في المكيل والموزون لا غير, ومذهب أبي حنيفة أنّها جائزة بعد القبض أيضاً, فللواهب الرجوع فيها, ما لم يكن مانع, كأن يكون الواهب زوجاً أو ذا رحمٍ محرّمٍ للموهوب له, ولا يصح الرجوع إلا برضاهما أو قضاء قاضٍ. وفي كثيرٍ من هذه العقود تفصيلات في مدى لزومها أو جوازها, فيرجع في كلٍّ منها إلى مصطلحه.
10 - العقد الفاسد عند غير الحنفيّة بمعنى الباطل, فلم ينعقد, أمّا عند الحنفيّة فالعقد الفاسد منعقد من حيث الأصل لصدوره عن أهله في محلّه وتمام ركنه وهو الصّيغة, لكن فسد لوصفه أي لفقده شرطاً من شروط الصّحّة, كاشتمال البيع على جهالة المبيع أو الأجل, أو على شرطٍ مفسدٍ, أو ربا. والعقد الفاسد لا يكون لازماً, لأنّه مستحق الفسخ لحقّ اللّه تعالى: لمخالفته الشّرع, لكن قد يصح ويلزم إن قام العاقدان بإزالة الوصف المفسد ، كإسقاط الأجل المجهول ممّن له الحق فيه, وكذا لو باع المشتري ما اشتراه فاسداً أو رهنه, فإنّ شراءه يلزم, فلو عاد إليه بفسخ أو إقالةٍ, عاد الجواز. (ر: بطلان ف 10).
11 - الوعد عند جمهور العلماء غير لازمٍ, وقيل يلزم الواعد الوفاء بالوعد ديانةً ولا يلزم قضاءً, وعند المالكيّة أربعة أقوالٍ, ثالثها: يلزم إن كان على سببٍ, ورابعها: يلزم إن كان على سببٍ ودخل الموعود بناءً على الوعد في شيءٍ, كأن قال: تزوّج وأنا أعطيك ما تدفعه مهراً, أو: اهدم دارك وأنا أسلّفك ما تبنيها به, فتزوّج أو هدم داره بناءً على الوعد. انظر: (التزام ف 43, ووعد).
12 - اللزوم أن يثبت أمراً عند ثبوت أمرٍ آخر, كلزوم المسبّب للسّبب أو المعلول للعلّة, فالأوّل اللازم, والثّاني الملزوم. والتّعبير باللازم عن الملزوم أو عكسه نوع من أنواع المجاز, أمّا إن استعمل اللّفظ في حقيقته وأريد لازم المعنى فهو كناية, كما يأتي بيانه في الملحق الأصوليّ إن شاء اللّه. ودلالة الكلام على معنىً غير مقصودٍ من سياقه, ولكنّه لازم للمعنى الّذي سيق الكلام لأجله هو نوع من أنواع الدّلالات اللّفظيّة يسمّيه الحنفيّة إشارة النّصّ, كدلالة: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْراً} مع: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} على أنّ مدّة الحمل يمكن أن تكون ستّة أشهرٍ. ولازم المذهب ليس بمذهب, وهذه قاعدة عند الفقهاء والأصوليّين, فمن قال كلاماً يلزم منه الكفر, وليس كفراً في ذاته, لم يحكم بتكفيره إن لم يقصد هذا اللازم. وحكم القاضي بشيء هل هو حكم بلازمه ؟ قال الحنابلة: نعم, فلا يحكم قاضٍ آخر بخلاف اللازم في تلك الواقعة, لأنّه يكون نقضاً لحكم الأوّل, ومثّلوا له بحكمه ببيع عبدٍ أعتقه من أحاط الدّين بماله, فإنّه يعتبر حكماً ببطلان العتق, فلا يحكم قاضٍ آخر فيه بخلافه, لأنّه يكون نقضاً لحكم الأوّل بالاجتهاد, والاجتهاد لا ينقض باجتهاد. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
1 - اللّسان لغةً: جسم لحمي مستطيل متحرّك يكون في الفم, ويصلح للتّذوق والبلع والنطق, ويذكر باعتبار أنّه لفظ, فيجمع على ألسنةٍ وألسن ولُسن وهو الأكثر. يقال: لسانه فصيح أي نطقه فصيح, ويؤنّث باعتبار أنّه لغة فيجمع على ألسنٍ ويقال: لغته فصيحة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
اللغة: 2 - اللغة هي ما يعبّر بها كل قومٍ عن أغراضهم. والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ. والصّلة بين اللّسان واللغة أنّ اللّسان يكون مرادفاً للغة في أحد إطلاقيه.
يتعلّق باللّسان أحكام فقهيّة منها: أ - حفظ اللّسان: 3 - يندب حفظ اللّسان عن غير محرّمٍ وأمّا عن محرّمٍ كالخوض في الباطل والفحش والسّبّ والبذاء والغيبة والسخريّة والاستهزاء فواجب ويتأكّد وجوبه في الصّوم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت», فهذا الحديث نص صريح في أنّه لا ينبغي للإنسان أن يتكلّم إلا أذا كان الكلام خيراً وهو الّذي ظهرت له مصلحته, ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلّم. وقد قال الشّافعي رحمه الله تعالى: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكّر قبل كلامه: فإن ظهرت المصلحة تكلّم, وإن شكّ لم يتكلّم حتّى تظهر. وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول اللّه أي الإسلام أفضل ؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده», فاللّسان من نعم اللّه العظيمة ولطائف صنعه الغريبة, فإنّه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه, إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللّسان, ولا يكب النّاس في النّار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم, ولا ينجو من شرّ اللّسان إلا من قيّده بلجام الشّرع, قال معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه: «قلت: يا نبيّ اللّه وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به ؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». وللتّفصيل: (ر: لفظ ف 13). ب - سبق اللّسان في الطّلاق: 4 - اختلف الفقهاء في حكم طلاق من سبق لسانه إلى الطّلاق من غير قصدٍ. وينظر تفصيله في: (خطأ ف 60, وطلاق ف 20). ج - سبق اللّسان في اليمين: 5 - من سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصدٍ لمعناها اختلف الفقهاء في انعقاد يمينه. وينظر تفصيل ذلك في: (أيمان ف 103 وما بعدها). د - سبق اللّسان في الظّهار: 6 - اختلف الفقهاء في اعتبار ظهار من جرى على لسانه الظّهار من غير قصدٍ. وينظر تفصيل ذلك في: (ظهار ف 18). هـ - الجناية على اللّسان: 7 - اختلف الفقهاء في أخذ اللّسان باللّسان. وينظر تفصيل ذلك في: (جناية على ما دون النّفس ف 22).
8 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب في اللّسان الدّية, لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه: «وفي اللّسان الدّية», ولأنّ فيه جمالاً ومنفعةً, وكذلك تجب الدّية إن جنى عليه فخرس, لأنّه أتلف عليه المنفعة المقصودة, فأشبه إذا جنى على اليد فشلّت أو العين فعميت, وإن ذهب بعض الكلام وجب من الدّية بقدره, لأنّ ما ضمن جميعه بالدّية ضمن بعضه ببعضها كالأصابع. وإن جنى على لسانه فذهب ذوقه فلا يحس بشيء من المذاق وجبت عليه الدّية, لأنّه أتلف عليه حاسّة لمنفعة مقصودةٍ, كما لو أتلف عليه السّمع أو البصر, وإن نقص بعض الذّوق نظر فإن كان النقصان لا يتقدّر بأن كان يحس بالمذاق الخمس وهي الحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة والعذوبة إلا أنّه لا يدركها على كمالها وجبت عليه الحكومة, لأنّه نقص لا يمكن تقدير الأرش فيه فوجبت فيه حكومة, وإن كان نقصاً يتقدّر بأن لا يدرك بأحد المذاق الخمس ويدرك بالباقي وجب عليه خمس الدّية, وإن لم يدرك اثنين وجب عليه خمسان, لأنّه يتقدّر المتلف فيقدّر الأرش. وإن كان لرجل لسان له طرفان فقطع رجل أحد الطّرفين فذهب كلامه وجبت عليه الدّية, وإن ذهب نصفه وجب عليه نصف الدّية, وإن ذهب ربعه وجب عليه ربع الدّية, وإن لم يذهب من الكلام شيء نظر فإن كانا متساويين في الخلقة فهما كاللّسان المشقوق ويجب بقطعهما الدّية, وبقطع أحدهما نصف الدّية, وإن كان أحدهما تامّ الخلقة والآخر ناقص الخلقة فالتّام هو اللّسان الأصلي والآخر خلقة زائدة فإن قطعهما قاطع وجب عليه دية وحكومة, وإن قطع التّامّ وجب عليه دية, وإن قطع النّاقص وجبت عليه حكومة. وإن جنى على لسانه مع بقائه فذهب كلامه وقضي عليه بالدّية, ثمّ عاد الكلام وجب رد الدّية قولاً واحداً عند الشّافعيّة لأنّ الكلام إذا ذهب لم يعد, فلمّا عاد علمنا أنّه لم يذهب وإنّما امتنع لعارض. والتّفصيل في: (ديات ف 36).
9 - للفقهاء خلاف وتفصيل في حكم قطع لسان الأخرس ولسان الصّغير ينظر في: (ديات ف 37).
انظر: سرقة.
1 - اللّطم: في اللغة الضّرب على الخدّ ببسط الكفّ, يقال: لطمت المرأة وجهها لطماً: ضربته بباطن كفّها, واللّطمة المرّة. ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه, قال الزرقانيّ: اللّطمة هي ضربة على الخدّين بباطن الرّاحة.
أ - الصّفع: 2 - الصّفع في اللغة: هو أن يبسط الرّجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه. والفقهاء يستعملون هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه, فقد جاء في حاشية أبي السعود على شرح الكنز: الصّفع هو الضّرب على القفا بالكفّ. والصّلة أنّ اللّطم يكون على الوجه والصّفع على القفا. ب - الوكز: 3 - الوكز لغةً: الدّفع والطّعن والضّرب بجميع الكفّ. ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا المعنى عن المعنى اللغويّ, قال البهوتيّ: الوكز هو الدّفع والضّرب بجميع الكفّ. والصّلة أنّ اللّطم يكون ببسط الكفّ والوكز بجميع الكفّ.
4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم لطم الخدود وخمشها وشق الجيوب ونحو ذلك من الأفعال عند المصيبة, لما في الصّحيح: «ليس منّا من ضرب الخدود أو شقّ الجيوب أو دعا بدعوى الجاهليّة». 5 - يرى جمهور الفقهاء أنّه لا قصاص من لطمةٍ على الخدّ إذا لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعةٍ بل فيها التّعزير لأنّ المماثلة فيها غير ممكنةٍ. وذهب ابن قيّم الجوزيّة إلى وجوب القصاص في اللّطمة وقال: هو منصوص أحمد ومن خالفه في ذلك من أصحابه فقد خرج عن نصّ مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس والميزان. واستدلّ بقول اللّه تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}, وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}, وقوله عزّ وجلّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} فأمر بالمماثلة في العقوبة والقصاص فيجب اعتبارها بحسب الإمكان, والأمثل هو المأمور به, فهذا المضروب قد اعتدي عليه فالواجب أن يفعل بالمعتدي كما فعل به, فإن لم يمكن كان الواجب ما هو الأقرب والأمثل, وسقط ما عجز عنه العبد من المساواة من كلّ وجهٍ, ولا ريب أنّ لطمةً بلطمة وضربةً بضربة في محلّهما بالآلة الّتي لطمه بها أو بمثل أقرب إلى المماثلة المأمور بها حساً وشرعاً من تعزيره بها بغير جنس اعتدائه وقدره وصفته.
انظر: ريق.
1 - اللّعان مصدر لاعن, وفعله الثلاثي لعن مأخوذ من اللّعن, وهو الطّرد والإبعاد من الخير, وقيل: الطّرد والإبعاد من اللّه, ومن الخلق السّب. والملاعنة بين الزّوجين: إذا قذف الرّجل امرأته أو رماها برجل أنّه زنى بها. وعرّفه الحنفيّة والحنابلة بأنّه: شهادات تجري بين الزّوجين مؤكّدة بالأيمان مقرونة باللّعن من جانب الزّوج وبالغضب من جانب الزّوجة. وعرّفه المالكيّة بأنّه: حلف زوجٍ مسلمٍ مكلّفٍ على زنا زوجته أو على نفي حملها منه, وحلفها على تكذيبه أربعاً من كلٍّ منهما بصيغة أشهد اللّه بحكم حاكمٍ. وعرّفه الشّافعيّة بأنّه: كلمات معلومة جعلت حجّةً للمضطرّ إلى قذف من لطّخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولدٍ.
أ - السّب: 2 - السّب لغةً واصطلاحاً هو الشّتم: وهو كل كلامٍ قبيحٍ والسّب قد يوجب اللّعان أو لا يوجبه بحسب ما إذا كان فيه رمي للزّوجة بزناً أو لا. ب - القذف: 3 - القذف في اللغة: الرّمي مطلقاً. واصطلاحاً عند جمهور الفقهاء هو: الرّمي بالزّنا. وعرّفه الشّافعيّة بأنّه: الرّمي بالزّنا في معرض التّعيير. والصّلة أنّ قذف الزّوج زوجته سبب من أسباب اللّعان.
4 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ قذف الزّوج زوجته يوجب اللّعان لقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} أي فليشهد أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه. جعل اللّه سبحانه وتعالى موجب قذف الزّوجات اللّعان. وعند المالكيّة قال عليش: اللّعان يجب بثلاثة أوجهٍ: وجهان مجمع عليهما: وذلك أن يدّعي أنّه رآها تزني كالمرود في المكحلة ثمّ لم يطأ بعد ذلك, أو ينفي حملاً يدّعي استبراءً قبله, والوجه الثّالث: أن يقذفها بالزّنا ولا يدّعي رؤيةً ولا نفي حملٍ, وأكثر الرواة قالوا: يحد ولا يلاعن. واللّعان عند الشّافعيّة حجّة ضروريّة لدفع حدّ قذف الزّوج زوجته أو نفي ولده منها, وله اللّعان, ولا يجب عليه إلا لنفي نسب ولدٍ أو حملٍ علم أنّه ليس منه, لأنّه لو سكت لكان بسكوته مستلحقاً لمن ليس منه وهو ممتنع. وقال الحنابلة: إذا قذف الرّجل امرأته بالزّنا فله إسقاط الحدّ باللّعان, وحد القذف حق للزّوجة فإن لم تطلبه أو أبرأته من قذفها أو أسقطته أو أقام الزّوج البيّنة بزناها ثمّ أراد الزّوج لعانها فإن لم يكن هناك نسب يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن, وإن كان هناك ولد يريد نفيه فقال القاضي: له أن يلاعن لنفيه, وقال بعضهم: يحتمل أن لا يشرع اللّعان في هذه الحالة كما لو قذفها فصدّقته.
5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن اللّعان هو الشّهادات الّتي تجري بين الزّوجين على الوجه المتقدّم في تعريفهم, فتكون ركناً له, لأنّ تحقق اللّعان يتوقّف على تحققها وهي داخلة في تكوينه. ونصّ ابن جزيٍّ من المالكيّة على أنّ أركان اللّعان أربعة هي: الملاعن, والملاعنة, والسّبب, واللّفظ. شروط اللّعان عند الحنفيّة: 6 - عند الحنفيّة يشترط في اللّعان شروط مختلفة, بعضها يرجع إلى الرّجل, وبعضها يرجع إلى المرأة, وبعضها يرجع إلى الرّجل والمرأة معاً, وبعضها يرجع إلى المقذوف به, وتفصيل ذلك فيما يلي: أ - ما يرجع من الشروط إلى الزّوج: 7 - يشترط في الزّوج لإجراء اللّعان بينه وبين زوجته ألا يقيم البيّنة على صحّة قذفه, وذلك لأنّ اللّه تعالى شرط في اللّعان عدم إقامة البيّنة من الزّوج القاذف لزوجته في قوله جلّ شأنه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ}, وعلى هذا لو اتّهم رجل زوجته بالزّنا, وأتى بأربعة رجالٍ عدولٍ وشهدوا بزنا الزّوجة لا يثبت اللّعان, ويقام على المرأة حد الزّنا, لأنّ زنا الزّوجة قد ظهر بشهادة الشهود فلا يحتاج إلى اللّعان. ب - ما يرجع من الشروط إلى الزّوجة: 8 - يشترط في الزّوجة لإجراء اللّعان شرطان: الأوّل: إنكار الزّوجة وجود الزّنا منها حتّى لو أقرّت بذلك لا يجب اللّعان, ويلزمها حد الزّنا لظهور زناها بإقرارها. الثّاني: عفّة الزّوجة من الزّنا فإن لم تكن عفيفةً لا يجب اللّعان بقذفها, لأنّه إذا لم تكن عفيفةً فقد صدّقته بفعلها, فصار كما لو صدّقته بقولها. ومن الشروط الّتي ترجع إلى المرأة أيضاً: أن تطلب من القاضي إجراء اللّعان إذا قذفها زوجها بالزّنا أو نفى نسب الولد منه ، وإن لم تطلب من القاضي إجراء اللّعان بينها وبين زوجها لا يقام اللّعان بينهما, وذلك لأنّ اللّعان شرع لدفع العار عن الزّوجة فكان حقاً لها فلا يقام إلا بطلب منها كسائر حقوقها. ج - ما يرجع من الشروط إلى الرّجل والمرأة: 9 - يشترط في الرّجل والمرأة معاً لإجراء اللّعان بينهما قيام الزّوجيّة بين الرّجل والمرأة وقت القذف فإذا كان الزّواج قائماً بين الرّجل والمرأة وقت القذف وكان الزّواج صحيحاً - دخل الزّوج بالمرأة أو لم يدخل - أقيم اللّعان بينهما لقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فإنّه سبحانه خصّ اللّعان بالأزواج, فيدل ذلك على أنّ قيام الزّواج شرط لإجراء اللّعان بين الرّجل والمرأة. وإن كان الزّواج فاسداً وقذف الرّجل المرأة بالزّنا أو نفى نسب ولدها منه لا يثبت اللّعان بهذا القذف, لأنّ اللّه تعالى خصّ اللّعان بالأزواج, ولا يتحقّق ذلك إلا إذا كان الزّواج صحيحاً وإذا انتفى اللّعان ترتّب على القذف موجبه وهو الحد. ويشترط كذلك في الرّجل والمرأة أن يكونا من أهل الشّهادة على المسلم, وذلك بأن يكون كل من الزّوجين مسلماً بالغاً عاقلاً حراً قادراً على النطق غير محدودٍ في قذفٍ ، وعلى هذا لو كان الزّوج مسلماً والزّوجة كتابيّةً لا يقام اللّعان بينهما, أو كان أحدهما أخرس لا يقام اللّعان بينهما, وإن كانت له إشارة مفهومة. قال المرغينانيّ: إذا كان الزّوج عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذفٍ فقذف امرأته فعليه الحد لأنّه تعذّر اللّعان لمعنىً من جهته فيصار إلى الموجب الأصليّ وهو الثّابت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}, واللّعان خلف عنه. وإن كان الزّوج من أهل الشّهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذفٍ, أو كانت ممّن لا يحد قاذفها بأن كانت صبيّةً أو مجنونةً أو زانيةً فلا حدّ عليه ولا لعان, لانعدام أهليّة الشّهادة وعدم الإحصان في جانبها وامتناع اللّعان لمعنىً من جهتها, فيسقط الحد كما إذا صدّقته. ويشترط كذلك لفظ الشّهادة وحضرة الحاكم. د - ما يرجع من الشروط إلى المقذوف به: 10 - يشترط في المقذوف به لوجوب اللّعان أو جوازه عند الحنفيّة أن يكون قذفاً بالزّنا أو نفي النّسب. شروط اللّعان عند غير الحنفيّة: 11 - قال المالكيّة: يشترط لإجراء اللّعان ما يلي: أوّلاً: قيام الزّوجيّة وأن يكون الزّوجان عاقلين بالغين, سواء كانا حرّين أو مملوكين, عدلين أو فاسقين, ويشترط الإسلام في الزّوج. ثانياً: القذف برؤية الزّنا أو بنفي الحمل. ثالثاً: تعجيل اللّعان بعد العلم لنفي الحمل أو الولد. رابعاً: عدم الوطء بعد القذف. خامساً: لفظ: أشهد في الأربع, واللّعن من الزّوج في الخامسة, والغضب من الزّوجة في الخامسة. سادساً: بدء الزّوج بالحلف, فإن بدأت الزّوجة أعادت بعده. سابعاً: حضور جماعةٍ للّعان أقلها أربعة من العدول. وقال الشّافعيّة: يشترط لصحّة اللّعان: أوّلاً: أن يكون الملاعن زوجاً يصح طلاقه وأهليّته لليمين, لأنّ اللّعان يمين مؤكّدة بلفظ الشّهادة, وذلك بأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً, ويكفي أن يكون زوجاً باعتبار ما كان أو في الصورة, وينطبق ذلك على الحرّ والعبد والمسلم والذّمّيّ والرّشيد والسّفيه والسّكران والمحدود والمطلّق رجعياً وغيرهم. ثانياً: أن يسبق اللّعان قذف للزّوجة. ثالثاً: أن يأمر القاضي أو نائبه باللّعان. رابعاً: أن يلقّن القاضي أو نائبه كلمات اللّعان للمتلاعنين. خامساً: أن يكون اللّعان بألفاظ الشّهادات الّتي جاء بها الشّرع. سادساً: أن يتمّ المتلاعنان شهادات اللّعان.
سابعاً: الموالاة بين كلمات اللّعان. ثامناً: أن يتأخّر لعان الزّوجة عن لعان الزّوج. وقال الحنابلة: يشترط للّعان ثلاثة شروطٍ: أحدها: كون اللّعان بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو ذمّيّين حرّين أو رقيقين عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذفٍ أو كان أحدهما كذلك. الثّاني: أن يقذفها بالزّنا في القبل أو الدبر سواء في ذلك الأعمى والبصير. الثّالث: أن تكذّبه الزّوجة في قذفه إيّاها ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللّعان.
12 - يثبت اللّعان عند القاضي بواحد من أمرين: الأمر الأوّل: الإقرار بالقذف من الزّوج أمام القاضي, فإذا قذف الرّجل زوجته بالزّنا فرفعت الزّوجة الأمر إلى القاضي, وطالبت باللّعان بينها وبين زوجها, وأقرّ الزّوج أنّه رماها بالزّنا حكم القاضي بإجراء اللّعان بينهما, متى توافرت شرائط وجوبه. الأمر الثّاني: البيّنة, وذلك إذا ادّعت المرأة أنّ زوجها اتّهمها بالزّنا, وأنكر الزّوج ذلك فأقامت الزّوجة البيّنة على ما ادّعته, ففي هذه الحالة يحكم القاضي بإجراء اللّعان بينها وبين زوجها بناءً على ما شهدت به البيّنة. والبيّنة الّتي يتثبّت القذف بها شهادة رجلين, ولا يقبل في إثبات القذف شهادة النّساء, لأنّ اللّعان قائم مقام حدّ القذف في حقّ الرّجل, وقائم مقام حدّ الزّنا في حقّ المرأة, وأسباب الحدود لا تثبت بشهادة النّساء, وذلك لوجود الشبهة في شهادتهنّ, والحدود تدرأ بالشبهات. وعلى هذا فلو ادّعت المرأة أنّ زوجها رماها بالزّنا وأنكر الزّوج ما ادّعته زوجته, ولم تستطع الزّوجة إثبات ما ادّعته بالبيّنة فلا توجّه اليمين إلى الزّوج, ولا يجب الحد بامتناعه عن الحلف, وذلك لأنّ فائدة توجيه اليمين هي القضاء على من يوجّه إليه إذا نكل عن الحلف, والنكول ليس إقراراً صريحاً, وإنّما هو إقرار في المعنى, والإقرار في المعنى تكون فيه شبهة, والشبهة يندرئ الحد بها.
13 - يرى الحنفيّة في ظاهر الرّواية أنّه إذا كان المقذوف به في اللّعان هو الزّنا فينبغي للقاضي أن يقيم المتلاعنين بين يديه متماثلين, فيأمر الزّوج أوّلاً أن يقول أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه أنّي لمن الصّادقين فيما رميتها به من الزّنا, ويقول في الخامسة: لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا, ثمّ يأمر المرأة أن تقول أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه بأنّه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا, وتقول في الخامسة: غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يحتاج إلى لفظ المواجهة, فيقول الزّوج: فيما رميتك به من الزّنا, وتقول المرأة: فيما رميتني به من الزّنا, وهو قول زفر. وإن كان المقذوف به نفي نسب الولد فقد ذكر الكرخي أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ: فيما رميتك به من نفي ولدك, وتقول المرأة: فيما رميتني به من نفي ولدي. وذكر الطّحاويّ أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ: فيما رميتها به من الزّنا في نفي ولدها, وتقول المرأة: فيما رماني به من الزّنا في نفي ولده. 14 - وقال المالكيّة: إن كان المقذوف به هو الزّنا يقول الزّوج أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه لرأيتها تزني إذا كان بصيراً, فإن كان أعمى يقول: لعلمتها تزني أو لتيقّنتها تزني, ثمّ يقول في الخامسة: لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين عليها, وتقول الزّوجة أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه ما زنيت أو ما رآني أزني, وتخمّس: غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به. وإن كان المقذوف به هو نفي الحمل فيقول الزّوج أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه ما هذا الحمل منّي, ويقول في الخامسة: لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين, وتقول المرأة أربع مرّاتٍ: ما زنيت, وتقول في الخامسة: غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين. 15 - وقال الشّافعيّة: اللّعان إمّا أن يكون لدرء حدّ قذف الزّوج زوجته فقط, أو يكون مع ذلك لنفي الولد, أو يكون لنفي الولد فقط. فإن كان اللّعان لدرء حدّ القذف فقط فإنّ صفته من الرّجل أن يقول أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا, ويقول في الخامسة: وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا.
وإن كان اللّعان لدرء الحدّ ونفي الولد فإنّه يشهد أربع شهاداتٍ باللّه يقول في كلٍّ منها: أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه إن حضرت - أو زوجتي فلانةً - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا, وأنّ الولد الّذي ولدته - إن غاب - أو هذا الولد - إن حضر - من زناً وليس منّي, ويقول في الخامسة: وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا ومن نفي الولد. وإن كان اللّعان لنفي ولدٍ وليس لدرء حدٍّ فيقول أربع مرّاتٍ: أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر صفتها بما يميّزها إن غابت - من إصابة غيري لها على فراشي وأنّ الولد منه لا منّي, ويقول في الخامسة: وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي من نفي الولد, أمّا المرأة فإنّها لا تلاعن في الحالة الثّالثة, إذ لا حدّ عليها بلعان الرّجل. أمّا في الحالتين الأوليين فصيغة لعان المرأة أن تقول - أربع مرّاتٍ - بعد لعانه أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به - وتشير إليه إن حضر وإلا ميّزته كما مرّ في لعان الرّجل- من الزّنا, ولا تحتاج إلى ذكر الولد لأنّه لا يتعلّق به في لعانها حكم, وتقول في الشّهادة الخامسة: وعليّ غضب اللّه إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا. وقالوا: خصّ الغضب بها لأنّ جريمة زناها الّتي لاعنت لإسقاط حدّه أقبح من جريمة قذفه, والغضب وهو الانتقام بالعذاب أغلظ من اللّعن الّذي هو البعد عن الرّحمة. ولا يثبت شيء من أحكام اللّعان إلا إذا تمّت الكلمات الخمس, ولو حكم حاكم بالفرقة بأكثر كلمات اللّعان لم ينفذ حكمه, لأنّ حكمه غير جائزٍ بالإجماع, فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة. ولو قال بدل كلمة الشّهادة: أحلف باللّه, أو أقسم, أو أولي باللّه إنّي لمن الصّادقين, أو قال: باللّه إنّي لمن الصّادقين من غير زيادةٍ, أو أبدل لفظ اللّعن بالإبعاد, أو لفظ الغضب بالسّخط, أو الغضب باللّعن أو عكسه, لم يصحّ على الأصحّ في جميع ذلك, وقيل: لا يصح قطعاً في إبدال الغضب باللّعن, ولا في الاقتصار على: باللّه إنّي لمن الصّادقين, ويشترط تأخير لفظتي اللّعن والغضب عن الكلمات الأربع على الأصحّ, ويشترط الموالاة بين الكلمات الخمس على الأصحّ, فيؤثّر الفصل الطّويل. ويشترط في لعان الرّجل والمرأة أن يأمر الحاكم به, فيقول للملاعن: قل: أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين.. إلى آخرها. ويشترط كون لعانها بعد لعان الرّجل. وإن لم يكن للأخرس إشارة مفهومة, ولا كتابة, لم يصحّ قذفه ولا لعانه, ولا سائر تصرفاته, وإن كان له إشارة مفهومة, أو كتابة, صحّ قذفه ولعانه, كالبيع والنّكاح والطّلاق وغيرها, وذكر المتولّي: أنّه إذا لاعن بالإشارة, أشار بكلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ, ثمّ بكلمة اللّعن, وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشّهادة وكلمة اللّعن, ويشير إلى كلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ, ولا يكلّف أن يكتب أربع مرّاتٍ, ولو لاعن الأخرس بالإشارة, ثمّ عاد نطقه وقال: لم أرد اللّعان بإشارتي, قبل قوله فيما عليه, فيلحقه النّسب والحد, ولا يقبل فيما له, فلا ترتفع الفرقة والتّحريم المؤبّد, وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحدّ, وله اللّعان لنفي الولد إن لم يفت زمن النّفي, ولو قال: لم أرد القذف أصلاً, لم يقبل قوله. ولو قذف ناطق, ثمّ عجز عن الكلام لمرض أو غيره, فإن لم يرج زوال ما به, فهو كالأخرس, وإن رجي, فثلاثة أوجهٍ: أحدها: لا ينظر, بل يلاعن بالإشارة لحصول العجز, وربّما مات فلحقه نسب باطل. والثّاني: ينتظر وإن طالت مدّته. وأصحها: ينتظر ثلاثة أيّامٍ فقط, ونقل الإمام أنّ الأئمّة صحّحوه. وعلى هذا, فالوجه أن يقال: إن كان يرجى زواله إلى ثلاثة أيّامٍ ينتظر, وإلا فلا ينتظر أصلاً. ومن لا يحسن العربيّة, يلاعن بلسانه, ويراعى ترجمة الشّهادة واللّعن والغضب, فإن أحسن العربيّة, فهل يتعيّن اللّعان بها, أم له أن يلاعن بأيّ لسانٍ شاء ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثّاني. وإذا لاعن بغير العربيّة, فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة, فلا حاجة إلى مترجمٍ, ويستحب أن يحضره أربعة ممّن يحسنها, وإن لم يحسنها, فلا بدّ من مترجمين, ويكفيان في جانب المرأة, فإنّها تلاعن لنفي الزّنا لا لإثباته, وفي جانب الرّجل طريقان: أصحهما: القطع بالاكتفاء باثنين, وبه قال أبو إسحاق وابن سلمة. والثّاني: على قولين: بناءً على الإقرار بالزّنا يثبت بشاهدين, أم يشترط أربعة ؟ والأظهر ثبوته بشاهدين. 16 - وصفة اللّعان عند الحنابلة أن يقول الزّوج بحضرة حاكمٍ أو نائبه, وكذا لو حكّم رجلاً أهلاً للحكم: أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزّنا مشيراً إليها إن كانت حاضرةً, وما دامت حاضرةً فلا يحتاج إلى تسميتها وبيان نسبها, وإن لم تكن حاضرةً بالمجلس سمّاها ونسبها بما تتميّز به حتّى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها, ويعيد قوله: أشهد باللّه... إلخ مرّةً بعد أخرى حتّى يكمل ذلك أربع مرّاتٍ, ولا يشترط حضورهما - المتلاعنين - معاً, بل لو كان أحدهما غائباً عن صاحبه جاز لعموم الأدلّة, ثمّ يقول في المرّة الخامسة: وإنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا. ثمّ تقول هي بعد ذلك: أشهد باللّه إنّ زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا وتشير إليه إن كان حاضراً بالمجلس, وإن كان غائباً عن المجلس سمّته ونسبته, وتكرّر ذلك, فإذا كمّلت أربع مرّاتٍ تقول في الخامسة: وأنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين, وتزيد استحباباً فيما رماني به من الزّنا خروجاً من خلاف من أوجبه, فإن نقص أحد المتلاعنين من الجمل الخمسة شيئاً لم يعتدّ به لأنّ اللّه تعالى علّق الحكم عليها, كما لا يعتد به إذا بدأت المرأة باللّعان قبله, أو تلاعنا بغير حضرة حاكمٍ, أو أبدل أحدهما لفظة: أشهد بأقسم أو أحلف أو أولي لم يعتدّ به, أو أبدل لفظة اللّعنة بالإبعاد أو بالغضب, أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط أو باللّعنة لم يعتدّ به, أو قدّم الرّجل اللّعنة قبل الخامسة لم يعتدّ به. ولو علّق أحدهما اللّعان بشرط, أو لم يوال أحدهما بين الكلمات عرفاً, أو أتى باللّعان بغير العربيّة من يحسنها لم يعتدّ به. وإن أتى الزّوج باللّعان قبل مطالبتها له بالحدّ مع عدم ولدٍ يريد نفيه لم يعتدّ به. وإذا فهمت إشارة الأخرس منهما أو كتابته صحّ لعانه بها وإلا فلا. 17 - وقال الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في القول الصّحيح: لو بدأ القاضي بلعان المرأة لا يعتد به, وعليه أن يعيد لعانها بعد لعان الرّجل, لأنّه أتى باللّعان على غير ما ورد به القرآن والسنّة فلا يكون صحيحاً, كما لو اقتصر على لفظةٍ واحدةٍ, ولأنّ لعان الرّجل لإثبات زنا المرأة ونفي ولدها, ولعان المرأة للإنكار, فقدّمت بيّنة الإثبات كتقديم الشهود على الأيمان, ولأنّ لعان المرأة لدرء العذاب عنها, ولا يتوجّه عليها العذاب إلا بلعان الرّجل, فإذا قدّم لعانها على لعانه كان تقديماً له على وقته فلا يكون صحيحاً كما لو قدّم على القذف. 18 - وعند الحنفيّة, والمالكيّة في أحد القولين أنّ وجوب البداءة بشهادة الرّجل في اللّعان لأنّه المدّعي, وفي الدّعاوى يبدأ بشهادة المدّعي, فلو حصل العكس وقدّم القاضي المرأة في اللّعان على الرّجل فقد أخطأ, وينبغي له أن يعيد لعان المرأة بعد الرّجل حتّى يقع اللّعان على التّرتيب الوارد في القرآن والسنّة. فإن لم يعد القاضي لعان المرأة وفرّق بين الزّوجين نفذ قضاؤُه بالفرقة لأنّه قضاء في محلٍّ مجتهدٍ فيه, والقضاء إذا صدر في محلٍّ مجتهدٍ فيه يكون نافذاً.
19 - قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة: إذا امتنع الزّوج عن اللّعان لا يحبس ولكن يحد حدّ القذف هذا في الجملة. وقال المالكيّة: إن امتنع الزّوج عن اللّعان فعليه الحد إن كانت الزّوجة حرّةً مسلمةً, فإن كانت الزّوجة أمةً أو ذمّيّةً فعليه الأدب. وقال الحنفيّة: إذا طلب القاضي من الزّوج الملاعنة فامتنع حبسه حتّى يلاعن أو تصدّقه المرأة فيما ادّعاه, أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف. وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في الموجب الأصليّ لقذف الزّوج امرأته أهو اللّعان أو الحد واللّعان مسقط له ؟ فعند الجمهور الموجب الأصلي للقذف هو الحد, واللّعان مسقط له لقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فإنّه أوجب الحدّ على كلّ قاذفٍ سواء أكان زوجاً أم غيره, ثمّ جاء قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} الآيات مبيّناً أنّ القاذف إن كان زوجاً فله أن يدفع الحدّ عنه باللّعان, فإذا امتنع عنه ثبت الموجب الأصلي وهو الحد. وعند الحنفيّة الموجب الأصلي للقذف هو اللّعان, فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف, وذلك لقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} إلى قوله: {إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فإنّه تعالى جعل موجب قذف الزّوج لزوجته إذا لم يأت بأربعة يشهدون على صحّة قذفه اللّعان فقط, بعد أن كان موجبه الحدّ بمقتضى عموم الآية الّتي قبل هذه الآيات, وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}, وبذلك صارت آية القذف منسوخةً في حقّ الأزواج, بناءً على أنّ الأصل المقرّر عند الحنفيّة: أنّ الخاصّ إذا تأخّر وروده عن العامّ كان ناسخاً للعامّ فيما تعارضا فيه, وهو هنا الأزواج, فإنّ آية اللّعان, تأخّر نزولها عن آية القذف وإن كانت مذكورةً عقبها في المصحف, والدّليل على ذلك ما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال: «إنّا ليلة الجمعة في المسجد, إذ جاء رجل من الأنصار فقال: لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً وتكلّم جلدتموه, أو قتل قتلتموه, وإن سكت سكت على غيظٍ, واللّه لأسألنّ عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فلمّا كان في الغد أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأله, فقال: لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلّم جلدتموه, أو قتل قتلتموه, أو سكت سكت على غيظٍ, فقال: اللّهمّ افتح ، وجعل يدعو فنزلت آية اللّعان». فإنّ قوله: " وإن تكلّم جلدتموه " يدل على أنّ موجب قذف الزّوجة كان الجلد قبل نزول آية اللّعان ثمّ صار بعد نزول الآية الخاصّة بالأزواج اللّعان, وبهذا كان الواجب بقذف الزّوج الزّوجة هو اللّعان, فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن, لامتناعه عن الواجب عليه, كما يحبس المدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين.
20 - إذا لاعن الزّوج وامتنعت المرأة عن اللّعان لا تحد حدّ الزّنا, ولكن تحبس حتّى تلاعن, أو تصدّق الزّوج فيما ادّعاه, فإن صدّقته خلّي سبيلها من غير حدٍّ, وهذا مذهب الحنفيّة, ووجهتهم في الحبس: أنّ اللّعان هو الموجب الأصلي للقذف في حقّ الزّوجين - كما تقدّم - فيكون واجباً على المرأة بعد لعان زوجها, فإذا امتنعت عنه أجبرت عليه بالحبس, كالمدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين, فإنّه يحبس حتّى يوفّي ما عليه. ووجهتهم في إخلاء سبيلها بدون حدٍّ إذا صدّقت الزّوج: أنّ تصديقها ليس بإقرار قصداً يثبت به الحد ولو أعادت ذلك أربع مرّاتٍ في مجالس متفرّقةٍ. ولأنّ المرأة لو أقرّت بالزّنا, ثمّ رجعت عن إقرارها لم تحدّ, وامتناعها عن اللّعان أقل دلالةً على الزّنا من الإقرار الّذي رجعت عنه فلا يجب به الحد بالطّريق الأولى. والحنابلة يوافقون الحنفيّة في أنّ المرأة لا تحد حدّ الزّنا إذا امتنعت عن اللّعان, ويخالفونهم فيما يصنع بها إذا امتنعت, ففي روايةٍ - وهي الأصح كما قال القاضي - تحبس حتّى تلاعن أو تقرّ أربع مرّاتٍ بالزّنا, فإن لاعنت سقط عنها الحد, وإن أقرّت أربع مرّاتٍ حدّت حدّ الزّنا, وفي روايةٍ ثانيةٍ: يخلّى سبيلها لأنّه لم يجب الحد عليها فيجب تخلية سبيلها, كما لو لم تكمل البيّنة. وقال الحنابلة: إنّه إذا لم يتمّ التعانهما جميعاً فلا تزول الزّوجيّة ولا ينتفي نسب الولد. وقال المالكيّة والشّافعيّة: إذا امتنعت المرأة عن اللّعان بعد لعان الزّوج حدّت حدّ الزّنا, وذلك لقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}. وأضاف المالكيّة: أنّ الحدّ عليها إن كانت مسلمةً, وإن كانت ذمّيّةً ففيها الأدب.
إذا تمّ اللّعان بين الزّوج وامرأته ترتّبت عليه آثار في حقّهما, منها: 21 - الأوّل: انتفاء الحدّ عن الزّوجين, فلا يقام حد القذف على الزّوج, ولا يقام حد الزّنا على المرأة, وذلك لأنّ الشّارع خفّف عن الزّوجين, فشرع لهما اللّعان لإسقاط الحدّ عنهما, فإذا أجري اللّعان بين الزّوجين سقط عن الزّوج حد القذف وسقط عن المرأة حد الزّنا. 22 - الثّاني: ذهب الحنفيّة إلى أنّ حكم اللّعان حرمة الوطء والاستمتاع ولكن لا تقع التّفرقة بنفس اللّعان. وإن أكذب نفسه ولو دلالةً حدّ للقذف, وله بعد ما كذّب نفسه أن ينكحها: حُدّ أو لا. وقال أبو يوسف: إذا افترق المتلاعنان فلا يجتمعان أبداً, فيثبت بينهما حرمة مؤبّدة كحرمة الرّضاع. ويرى المالكيّة والحنابلة أنّه بتمام لعان الزّوجين تتأبّد الحرمة بينهما, لقول عمر رضي الله عنه: " المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً ". وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا لاعن الزّوج لدرء حدّ قذف الزّوجة بالزّنا عنه ثبتت الحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على هذا اللّعان, فإن لاعن لنفي النّسب وحده لم ينقطع به نكاح ولم تسقط به عقوبة بأن كان أبانها أو عفت عن العقوبة أو أقام بيّنةً بزناها. وقالوا: والحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على لعان الزّوج لدرء حدّ قذفه زوجته تقتضي أنّه لا يحل له نكاحها بعد اللّعان, ولا وطؤُها بملك اليمين لو كانت أمةً واشتراها, لما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ثمّ قال: «لا سبيل لك عليها», ولقوله: «المتلاعنان إذا تفرّقا لا يجتمعان أبداً». وإن أكذب الزّوج نفسه فلا يفيده ذلك عود النّكاح ولا رفع تأبيد الحرمة لأنّهما حق له وقد بطلا فلا يتمكّن من عودهما, بخلاف الحدّ ولحوق النّسب فإنّهما يعودان لأنّهما حق عليه, وأمّا حدها ففي كلام الإمام ما يفهم سقوطه بإكذابه نفسه. 23 - الثّالث: حصول الفرقة بين الزّوجين. غير أنّ هذه الفرقة لا تتم إلا بتفريق القاضي عند الحنفيّة وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه فلو تمّ اللّعان بين الزّوجين ولم يحكم القاضي بالتّفريق بينهما فالزّوجيّة تعتبر قائمةً في حقّ بعض الأحكام كالميراث ووقوع الطّلاق, فلو مات أحد الزّوجين بعد اللّعان وقبل الحكم بالتّفريق ورثه الآخر, ولو طلّق الزّوج امرأته بعد اللّعان وقبل التّفريق وقع الطّلاق, ولو أكذب الزّوج نفسه حينئذٍ فإنّها تحل له من غير تجديد عقد الزّواج, وحجّتهم في ذلك, ما ورد في قصّة المتلاعنين من أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ، فإنّه يدل على أنّ الفرقة لا تقع بلعان الزّوج ولا بلعان الزّوجة, إذ لو وقعت لما حصل التّفريق من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد وقوع الفرقة بينهما بنفس اللّعان, وما روي في حديث عويمرٍ العجلانيّ أنّه قال: «كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها, فطلّقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم» ، فإنّ هذا يقتضي إمكان إمساك المرأة بعد اللّعان وأنّه وقع طلاقه, ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك باللّعان لما وقع طلاقه ولا أمكنه إمساكها, وأيضاً فإنّ سبب هذه الفرقة يتوقّف على الحاكم فالفرقة المتعلّقة به لا تقع إلا بحكمه قياساً على الفرقة بالعنّة ونحوها. وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ الفرقة تقع بين الزّوجين بمجرّد اللّعان من غير توقفٍ على حكم القاضي, وقال الشّافعيّة: إنّ الفرقة متعلّقة بلعان الزّوج وإن لم تلاعن الزّوجة, وذلك لما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال: " المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً ". ولأنّ اللّعان يقتضي التّحريم المؤبّد فلا يحتاج للتّفريق به إلى حكم الحاكم كالرّضاع, وأيضاً فإنّ الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم لساغ ترك التّفريق بين الزّوجين إذا كرها الفرقة بينهما ولم يرضيا بها, كالتّفريق للعيب والإعسار, وترك التّفريق بينهما لا يجوز رضيا بذلك أو لم يرضيا. 24 - واختلف الفقهاء في نوع الفرقة المترتّبة على اللّعان أهي طلاق أو فسخ ؟ وفي الحرمة المترتّبة على اللّعان أهي حرمة مؤبّدة فلا تحل المرأة للرّجل وإن أكذب نفسه ؟ أو هي حرمة مؤقّتة تنتهي إذا أكذب الرّجل نفسه ؟ فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الفرقة باللّعان فسخ, وهي توجب التّحريم المؤبّد كحرمة الرّضاع, فلا يمكن أن يعود المتلاعنان إلى الزّواج بعد اللّعان أبداً ولو أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة أو صدّقته المرأة في قذفه, وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين: «لا يجتمعان أبداً». ولما روى سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: " مضت السنّة بعد في المتلاعنين أن يفرّق بينهما ثمّ لا يجتمعان أبداً ". ولأنّ اللّعان قد وجد, وهو سبب التّفريق, وتكذيب الزّوج نفسه أو خروج أحد الزّوجين عن أهليّة الشّهادة لا ينفي وجود السّبب, بل هو باقٍ فيبقى حكمه, وأيضاً فإنّ الرّجل إن كان صادقاً في قذف امرأته فلا ينبغي أن يعود إلى معاشرتها مع علمه بحالها حتّى لا يكون زوج بغيٍّ, وإن كان كاذباً في قذفها فلا ينبغي أن يمكّن من معاشرتها لإساءته إليها واتّهامها بهذه الفرية العظيمة وإحراق قلبها, ولا يمكن اعتبار الفرقة باللّعان طلاقاً لأنّه ليس بصريح في الطّلاق ولا نوى به الطّلاق, ولأنّه لو كان طلاقاً لوقع بلعان الزّوج دون لعان المرأة, والفرقة بين الزّوجين - عند غير الشّافعيّة - لا تقع إلا بلعانهما. وقال أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن: الفرقة بسبب اللّعان تكون طلاقاً بائناً لا فسخاً, لأنّها فرقة من جانب الزّوج, والقاضي قام بالتّفريق, نيابةً عنه, فيكون فعله منسوباً إليه, والفرقة متى كانت من جانب الزّوج وأمكن جعلها طلاقاً كانت طلاقاً لا فسخاً, وإنّما كانت طلاقاً بائناً, لتوقفها على القضاء, وكل فرقةٍ تتوقّف على القضاء تعتبر طلاقاً بائناً, وقالا: إنّ الحرمة المترتّبة على اللّعان تزول إذا أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة, أو خرجت هي عن أهليّتها للشّهادة, لأنّ الزّوج إذا أكذب نفسه أعتبر تكذيبه رجوعاً عن اللّعان, واللّعان شهادة في رأيهما, والشّهادة لا حكم لها بعد الرجوع عنها, وفي هذه الحالة يحد الرّجل حدّ القذف, ويثبت نسب الولد منه إن كان القذف نفي الولد. وإذا خرج أحد الزّوجين عن أهليّته للشّهادة انتفى السّبب الّذي من أجله كان التّفريق وهو اللّعان, فيزول حكمه وهو التّحريم.
25 - إذا تمّ اللّعان بين الزّوجين وكان موضوعه نفي نسب الولد ترتّب عليه انتفاء نسب الولد عن الزّوج وألحق بأمّه, وذلك إذا توافرت الشروط الآتية: الشّرط الأوّل: الفوريّة: 26 - أن ينفي الزّوج الولد عند الولادة أو في مدّة التّهنئة بالمولود, وهذا عند أبي حنيفة, ولم يرو عنه في ظاهر الرّواية تقدير هذه المدّة بزمن معيّنٍ, بل جعل تقديرها مفوّضاً إلى رأي القاضي لأنّ نفي الولد أو عدم نفيه يحتاج إلى التّفكير والتّروّي قبل الإقدام عليه, إذ ربّما ينفي نسبه وهو منه, أو يعترف به وهو ليس منه, وكلاهما لا يحل شرعاً, وعلى هذا لا بدّ من إعطاء الزّوح مدّةً يفكّر فيها ويتروّى, وهذه المدّة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال, فلا يمكن تحديد زمنٍ يطبّق بالنّسبة لجميع الأفراد والحالات, فيجب تفويض ذلك إلى القاضي. وقال أبو يوسف ومحمّد بن الحسن: نفي الولد يتقدّر بأكثر مدّة النّفاس وهي أربعون يوماً, لأنّ النّفاس أثر الولادة, فيأخذ حكمها, فكما يكون للزّوج أن ينفي الولد عند الولادة يكون له أيضاً أن ينفيه ما دام أثرها باقياً. وذهب المالكيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى أنّ التّعجيل شرط لنفي الحمل أو الولد عن الزّوج, فلو علم الزّوج بالحمل أو الولادة فسكت عن نفيه بعد علمه, ثمّ أراد أن ينفيه باللّعان, فإنّه لا يمكّن منه ويحد حدّ القذف, سواء طال زمن سكوته كالشّهر أو قصر كاليوم واليومين, إلا أن يكون سكوته لعذر. وفي مغني المحتاج: والنّفي لنسب ولدٍ يكون على الفور في الأظهر الجديد, لأنّه شرع لدفع ضررٍ محقّقٍ فكان على الفور, كالرّدّ بالعيب وخيار الشفعة, ويعذر الزّوج في تأخير النّفي لعذر, كأن بلغه الخبر ليلاً فأخّر حتّى يصبح أو كان جائعاً فأكل أو عارياً فلبس, فإن كان محبوساً أو مريضاً أو خائفاً ضياع مالٍ أرسل إلى القاضي ليبعث إليه نائباً يلاعن عنده, أو ليعلمه أنّه مقيم على النّفي, فإن لم يفعل بطل حقه, فإن تعذّر عليه الإرسال أشهد إن أمكنه, فإن لم يشهد مع تمكنه منه بطل حقه. وفي المغني لابن قدامة: إذا ولدت المرأة فسكت زوجها عن نفي ولدها مع إمكانه لزمه نسبه, ولم يكن له نفيه بعد ذلك, ولا يتقرّر ذلك بثلاثة أيّامٍ, بل هو على حسب ما جرت به العادة, إن كان ليلاً فحتّى يصبح وينتشر النّاس, وإن كان جائعاً أو ظمآن فحتّى يأكل أو يشرب, أو ينام إن كان ناعساً, أو يلبس ثيابه ويسرّج دابّته ويركب, ويصلّي إن حضرت الصّلاة ويحرّز ماله إن كان غير محرّزٍ, وأشباه ذلك من أشغاله, فإن أخّره بعد هذا كلّه لم يكن له نفيه. الشّرط الثّاني: عدم الإقرار: 27 - يشترط ألا يكون الزّوج أقرّ بالولد صراحةً أو دلالةً, مثال الإقرار صراحةً أن يقول الرّجل: هذا ولدي, أو هذا الولد منّي, ومثال الإقرار دلالةً أن يقبل التّهنئة بالمولود أو يسكت عند التّهنئة, ولا يردّ على المهنئ, لأنّ العاقل لا يسكت عادةً عند التّهنئة بولد ليس منه, فإذا سكت كان سكوته اعترافاً بالنّسب دلالةً. وعلى هذا لو أقرّ الزّوج بالولد صراحةً أو دلالةً, أو سكت عن نفي نسبٍ حتّى مضت مدّة التّهنئة, أو أكثر مدّة النّفاس, أو حتّى مضت مدّة يمكنه النّفي فيها ولم ينفه ثمّ نفى نسبه لا ينتفي نسب الولد منه, لأنّ سكوته عن النّفي حتّى مضت هذه المدّة يعتبر إقراراً منه بالولد, والإقرار بالنّسب لا يصح الرجوع فيه. وفي هذه الحالة يكون للمرأة عند الحنفيّة الحق في طلب اللّعان بينها وبين زوجها, لأنّه لمّا نفى نسب الولد منه كان متّهماً لها بالزّنا, فيكون لها أن تدفع العار عن نفسها باللّعان بينها وبينه, ولو تمّ اللّعان بينهما بناءً على طلب المرأة لا يترتّب عليه قطع نسب الولد عن الزّوج, لأنّ نسبه قد ثبت بالإقرار صراحةً أو دلالةً فلا يمكن نفيه بعد ذلك. ونصّ المالكيّة على أنّ اللّعان إذا امتنع إجراؤُه بين الزّوجين لنفي نسب الولد, كأن وطئ الملاعن زوجته بعد رؤيتها تزني, أو بعد علمه بوضع أو حملٍ, أو أخّر اللّعان بعد علمه بوضع أو حمل اليوم واليومين بلا عذرٍ في التّأخير, ففي هذه الحالات يمتنع لعانه ويثبت نسب الولد وبقيت زوجةً, وإنّما يحد الزّوج حدّ القذف إن كانت الزّوجة مسلمةً. الشّرط الثّالث: حياة الولد: 28 - أن يكون الولد حياً عند اللّعان وعند الحكم بقطع نسبه وهذا عند الحنفيّة, فلو ولدت المرأة ولداً, ونفى الزّوح نسبه منه, ثمّ مات الولد قبل حصول اللّعان, أو مات بعد حصوله ولكن قبل الحكم بقطع نسبه من الزّوج لا ينتفي عنه, لأنّ النّسب يتقرّر بالموت, والشّيء إذا تقرّر لا يمكن نفيه, ولكن للزّوجة الحق في طلب إجراء اللّعان إن مات الولد قبل إجرائه لدفع عار الزّنا عنها. والمالكيّة يوافقون الحنفيّة في ذلك, إلا أنّهم يقولون: إنّ للزّوج الحقّ في طلب اللّعان بعد موت الولد, وذلك لإسقاط حدّ القذف عنه. وقال الشّافعيّة والحنابلة: حياة الولد عند اللّعان ليست شرطاً لنفي نسبه باللّعان, لأنّ نسبه لا ينقطع بالموت, بل يقال: مات ولد فلانٍ, وهذا قبر ولد فلانٍ, ويلزم الزّوج تجهيزه وتكفينه, فيكون له نفي نسبه وإسقاط مؤنته, كما لو كان حياً.
الولد الّذي يقطع نسبه من الأبّ, ويلحق بأمّه بناءً على اللّعان يكون أجنبياً منه في بعض الأحكام, ولا يكون أجنبياً منه في بعضها: 29 - فيكون أجنبياً منه في الأحكام الآتية: أ - الإرث: فلا توارث بين الملاعن وبين الولد الّذي نفى نسبه باللّعان وهذا باتّفاق, بمعنى أنّ قرابة الأبوّة لا تكون معتبرةً في الإرث, فلو مات الولد الّذي نفي نسبه باللّعان وترك مالاً فلا يرثه أحد بقرابة الأبوّة, وإنّما ترثه أمه وأقرباؤُه من جهتها. ب - النّفقة: فلا تجب بين الملاعن وبين من نفى نسبه باللّعان نفقة الأبناء على الآباء, ولا نفقة الآباء على الأبناء, وهذا باتّفاق. 30 - ولا يكون الولد أجنبياً من الملاعن في الأحكام الآتية: أ - الشّهادة: ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لا تقبل شهادة الأصل الواحد من فروعه, وبالعكس كذلك لا تقبل شهادة الملاعن وأصوله لمن نفى نسبه باللّعان, ولا شهادة من نفى نسبه وأحد فروعه لمن نفاه ولا لأصوله, وذلك لصحّة استلحاقه أي الولد الملاعن. ب - القصاص: فلو قتل الملاعن الولد الّذي نفاه باللّعان لا يقتل فيه كما لو قتل الأب ولده. ج - الالتحاق بالغير: فلو ادّعى غير الملاعن الولد الّذي نفى نفسه باللّعان لا يصح ادّعاؤُه ولا يثبت نسبه منه, وذلك لاحتمال أن يكذّب الملاعن نفسه فيعود نسب الولد له, ومن أجل هذا قال الكمال بن الهمام من علماء الحنفيّة: إنّ الحكم بعدم ثبوت نسب الولد ممّن ادّعاه مشكل إذا كان ممّن يولد مثله لمثله وكان ادّعاؤُه بعد موت الملاعن لأنّ النّسب ممّا يحتاط في إثباته, والولد مقطوع النّسب من غير المدّعي ووقع اليأس من ثبوته من الملاعن, وثبوت النّسب من الأمّ لا ينافي ثبوته من المدّعي, لإمكان كونه وطأها بشبهة. د - المحرميّة: فلو كان للملاعن بنت من امرأةٍ أخرى, وأراد أن يزوّجها لمن نفى نسبه باللّعان أو لابنه فلا يحل هذا الزّواج, لأنّ الولد يجوز أن يكون ابناً للملاعن, خصوصاً وأنّ الفراش الّذي يثبت النّسب به كان موجوداً وقت ولادته, ومع هذا الاحتمال لا يحل الزّواج شرعاً. ونصّ الشّافعيّة على أنّ المنفيّة باللّعان حكمها أنّها تحرم على نافيها ولو لم يدخل بأمّها, لأنّها لا تنتفي عنه قطعاً لدليل لحوقها به لو أكذب نفسه ولأنّها ربيبة في المدخول بها, وتتعدّى حرمتها إلى سائر محارمه, وفي وجوب القصاص عليه بقتله لها والحدّ بقذفه لها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان: أوجههما عدم الوجوب. 31 - ومن آثار اللّعان أيضاً عند الشّافعيّة: أ - تشطير صداق الملاعنة قبل الدخول بها. ب - سقوط حضانة المرأة إن لم تلاعن. ج - استباحة نكاح أخت الملاعنة ومن يحرم جمعه معها أو أربعٍ سواها في عدّتها.
32 - تغليظ اللّعان سنّة عند الشّافعيّة على المذهب, وكذلك عند الحنابلة في المذهب, وهو واجب عند المالكيّة وفي قولٍ عند الشّافعيّة, واختار القاضي من الحنابلة أنّه لا يسن التّغليظ بالمكان ولا بالزّمان. والتّغليظ يكون بأحد أمورٍ هي: أ - التّغليظ بالزّمان: 33 - يغلّظ لعان المسلم بزمان وهو بعد صلاة عصر كلّ يومٍ إن كان طلب اللّعان حثيثاً, لأنّ اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبةً لخبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم...» وعدّ منهم: «رجلاً حلف يميناً كاذبةً بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ». فإن لم يكن طلب حثيث فبعد صلاة عصر يوم جمعةٍ أولى لأنّ ساعة الإجابة فيه. وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشّريفة كشهر رجبٍ ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء. ب - التّغليظ بالمكان: 34 - يغلّظ اللّعان بالمكان, بأن يكون في أشرف مواضع بلده, لأنّ في ذلك تأثيراً في الزّجر عن اليمين الفاجرة. ففي مكّة يكون بين الركن الّذي فيه الحجر الأسود وبين مقام إبراهيم عليه السلام. واللّعان في المدينة المنوّرة يكون عند المنبر ممّا يلي القبر الشّريف, وقال في الأمّ والمختصر: يكون في المنبر. واللّعان في بيت المقدس يكون في المسجد عند الصّخرة, لأنّها أشرف بقاعه إذ هي قبلة الأنبياء, وقد ورد: " أنّها من الجنّة ". والتّغليظ بالمساجد الثّلاثة لمن هو بها, فمن لم يكن بها لم يجز نقله إليها بغير اختياره. والتّغليظ في غير المساجد الثّلاثة عند منبر الجامع لأنّه المعظّم. وتلاعن المرأة الحائض بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه. ويلاعن كتابي في بيعةٍ وكنيسةٍ ويقول اليهودي: أشهد باللّه الّذي أنزل التّوراة على موسى, ويقول النّصراني: أشهد باللّه الّذي أنزل الإنجيل على عيسى. ويلاعن المجوسي في بيت نارهم في الأصحّ لأنّهم يعظّمونه, والمقصود الزّجر عن الكذب. أمّا تغليظ الكافر بالزّمان فيعتبر بأشرف الأوقات عندهم كما ذكره الماورديّ. ج - التّغليظ بحضور جمعٍ: 35 - يغلّظ اللّعان بحضور جمعٍ من عدولٍ أعيان بلد اللّعان وصلحائه فإنّ ذلك أعظم ولأنّ فيه ردعاً عن الكذب, وأقله أربعة لثبوت الزّنا بهم, فاستحبّ أن يحضر ذلك العدد إتيانه باللّعان, ولا بدّ من حضور الحاكم كما سبق.
أ - وعظ القاضي المتلاعنين: 36 - يسن للقاضي أو نائبه وعظ المتلاعنين بالتّخويف من عذاب اللّه تعالى, وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لهلال: «عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة». ويقرأ عليهما: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}. ويقول لهما: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: «اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب», وبعد الفراغ من الكلمات الأربع يبالغ القاضي ومن في حكمه في وعظهما عند الخامسة من لعانهما قبل شروعهما فيها. ب - قيام المتلاعنين: 37 - يسن للمتلاعنين أن يتلاعنا قائمين ليراهما النّاس ويشتهر أمرهما, فيقوم الرّجل عند لعانه والمرأة جالسةً, وتقوم المرأة عند لعانها ويجلس الرّجل, وإن كان أحدهما لا يقدر على القيام لاعن قاعداً أو مضّجعاً.
1 - اللَّعِب - بفتح اللام وكسر العين ويجوز لِعْب بكسر اللام وسكون العين - في اللغة: ضد الجدّ, يقال: لعب فلانٍ إذا كان فعله غير قاصدٍ به مقصداً صحيحاً, ومنه قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ الََلاعِبِينَ}, ولعب: عمل عملاً لا يجدي نفعاً, واللّعبة: كل ما يلعب به, وهو بكسر اللام اسم للحال والهيئة الّتي يكون اللاعب عليها, وبالفتح المرّة الواحدة. وقيل: اللّعب عمل للّذّة لا يراعى فيه داعي الحكمة كعمل الصّبيّ, لأنّه لا يعرف الحكمة وإنّما يعمل للّذّة. ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغويّ.
اللّهو: 2 - اللّهو في اللغة: السلوان, والتّرويح عن النّفس بما لا تقتضيه الحكمة, وهو أيضاً: ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه أو يهمه من هوىً وطربٍ ونحوهما. والفرق بين اللّهو واللّعب أنّه لا لهو إلا وهو لعب, وقد يكون لعب ليس بلهو, لأنّ اللّعب يكون للتّأديب كاللّعب بالشّطرنج وغيره, ولا يقال لذلك لهو, وإنّما اللّهو لعب لا يعقب نفعاً.
3 - اللّعب منه ما هو مباح ومنه ما هو مستحب ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو محرّم. فمن اللّعب المباح المسابقة المشروعة على الأقدام والسفن ونحو ذلك, لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ مع عائشة رضي الله عنها فسابقته على رجلها فسبقته قالت: فلمّا حملتُ اللّحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السّبقة». وإباحة اللّعب إنّما يكون بشرط أن لا يكون فيه دناءة يترفّع عنها ذوو المروءات, وبشرط أن لا يتضمّن ضرراً فإن تضمّن ضرراً لإنسان أو حيوانٍ كالتّحريش بين الديوك والكلاب ونطاح الكباش والتّفرج على هذه الأشياء فهذا حرام, وبشرط أن لا يشغل عن صلاةٍ أو فرضٍ آخر أو عن مهمّاتٍ واجبةٍ فإن شغله عن هذه الأمور وأمثالها حرم, وبشرط أن لا يخرجه إلى الحلف الكاذب ونحوه من المحرّمات ومن اللّعب المباح المزاح والانبساط مع الزّوجة والولد ليعطي الزّوجة والنّفس والولد حقّهم. ومن اللّعب المستحبّ المناضلة على السّهام والرّماح والمزاريق وكل نافعٍ في الحرب لقول اللّه سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}, وقال النّبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القوّة في الآية: «ألا إنّ القوّة الرّمي ثلاث مرّاتٍ».
والتّفصيل في مصطلح: (سباق ف 5 وما بعده). ومن اللّعب المكروه اللّعب بالطّير والحمام لأنّه لا يليق بأصحاب المروءات والإدمان عليه قد يؤدّي إلى إهمال المصالح ويشغل عن العبادات والطّاعات. ومن اللّعب المحرّم عند الفقهاء: كل لعبةٍ فيها قمار لأنّها من الميسر الّذي أمر اللّه باجتنابه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.
أ - اللّعب بالنّرد: 4 - اللّعب بالنّرد محرّم عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على الصّحيح عندهم والحنابلة لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنّردشير فكأنّما صبغ يده في لحم خنزيرٍ ودمه». ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة أنّه يكره اللّعب بالنّرد كما يكره الشّطرنج عندهم. ب - اللّعب بالشّطرنج: 5 - أجمع المسلمون على أنّ اللّعب بالشّطرنج حرام إذا كان على عوضٍ أو تضمّن ترك واجبٍ مثل تأخير الصّلاة عن وقتها, وكذلك إذا تضمّن كذباً أو ضرراً أو غير ذلك من المحرّمات. أمّا إذا لم يكن كذلك فاختلف الفقهاء على أقوالٍ: المذهب عند المالكيّة والحنابلة وهو اختيار الحليميّ والروياني من الشّافعيّة حرمة اللّعب بالشّطرنج مطلقاً. وممّن قال بالتّحريم: علي بن أبي طالبٍ وابن عمر وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم وسعيد بن المسيّب والقاسم وسالم وعروة ومحمّد بن الحسين ومطر الورّاق, واستدلوا بأثر عليٍّ رضي الله عنه أنّه مرّ بقوم يلعبون بالشّطرنج فقال: ما هذه التّماثيل الّتي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمسّ جمراً حتّى يطفى خير من أن يمسّها. وروى مالك بلاغاً أنّ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما ولي مال يتيمٍ فوجدها فيه فأحرقها. كما استدلوا بالقياس على النّرد, بل إنّ الشّطرنج شر من النّرد في الصّدّ عن ذكر اللّه وعن الصّلاة وهو أكثر إيقاعاً للعداوة والبغضاء, لأنّ لاعبها يحتاج إلى إعمال فكره وشغل خاطره أكثر من النّرد, ولأنّ فيهما صرف العمر إلى ما لا يجدي, إلا أنّ النّرد آكد في التّحريم لورود النّصّ بتحريمه ولانعقاد الإجماع على حرمته مطلقاً. والمذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول عند المالكيّة أنّ اللّعب بالشّطرنج مكروه. ومأخذ الكراهة أنّه من اللّهو واللّعب وجاء في حديث جابر بن عميرٍ رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «كل شيءٍ ليس من ذكر اللّه عزّ وجلّ فهو لهوٌ أو سهوٌ إلا أربع خصالٍ: مشي الرّجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه ، وملاعبة أهله ، وتعلم السّباحة». وفي حديث عقبة بن عامرٍ الجهنيّ رضي الله عنه عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من اللّهو ثلاثة: تأديب الرّجل فرسه ، وملاعبته زوجه ، ورميه بنبله عن قوسه». وقيّد الشّافعيّة قولهم بأن يكون لعب الشّطرنج مع من يعتقد حلّه وإلا كان حراماً, لأنّ فيه إعانةً على معصيةٍ لا يمكن الانفراد بها. ومأخذ الكراهة كذلك أنّه يلهي عن الذّكر والصّلاة في أوقاتها الفاضلة, وقد يستغرق لاعبه في لعبه حتّى يشغله عن مصالحه الأخرويّة. وذهب أبو يوسف وهو قول عند الشّافعيّة وقول عند المالكيّة إلى إباحة اللّعب بالشّطرنج لما فيه من شحذ الخواطر وتذكية الأفهام ولأنّ الأصل الإباحة ولم يرد بتحريمه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه, وقيّد المالكيّة قولهم بالإباحة بألا يلعبه مع الأوباش في الطّريق بل مع نظائره في الخلوة بلا إدمانٍ وترك مهمٍّ ولهوٍ عن عبادةٍ. ويخالف الشّطرنج النّرد في أمرين: الأوّل: أنّ المعوّل في النّرد ما يخرجه اللعبان فهو يعتمد على الحزر والتّخمين المؤدّي إلى غايةٍ من السّفاهة والحمق فأشبه الأزلام. والمعوّل في الشّطرنج على الحساب الدّقيق والفكر الصّحيح وعلى الحذق والتّدبير فأشبه المسابقة بالسّهام. الثّاني: أنّ في الشّطرنج تدبير الحرب فأشبه اللّعب بالحراب والرّمي بالنشّاب والمسابقة بالخيل. ونقل القول بالإباحة عن أبي هريرة رضي الله عنه وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبيرٍ ومحمّد بن المنكدر ومحمّد بن سيرين وعروة بن الزبير وابنه هشامٍ وسليمان بن يسارٍ والشّعبيّ والحسن البصريّ وربيعة وعطاءٍ.
6 - من تكرّر منه اللّعب بالنّرد لم تقبل شهادته سواء لعب به قماراً أو غير قمارٍ. قال مالك: من لعب بالنّرد والشّطرنج فلا أرى شهادته طائلةً, لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} وهذا ليس من الحقّ فيكون من الضّلال. وقال المالكيّة: من باشر لعبها ولو مرّةً لا تقبل شهادته. وأمّا لاعب الشّطرنج فقد أجمع المسلمون على ردّ شهادته في الأحوال الّتي يحرم لعبها إجماعاً, وذلك للإجماع على فسقه فيها. وفيما عدا ذلك فللفقهاء أقوال بحسب أقوالهم في إباحة الشّطرنج أو تحريمه: فذهب المالكيّة إلى أنّ شهادة لاعب الشّطرنج لا تسقط إلا عند الإدمان عليها لأنّ المدمن لا يخلو من الأيمان الحانثة والاشتغال عن العبادة. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا ترد شهادة لاعب الشّطرنج إلا إذا اقترن بقمار أو فحشٍ أو إخراج صلاةٍ عن وقتها عمداً وترد شهادته بذلك المقارن. وذهب الحنابلة إلى عدم قبول شهادة لاعب الشّطرنج مطلقاً لتحريمه وإن عري عن القمار, وهو مقيّد عندهم بأن يكون لاعبه غير مقلّدٍ في إباحته فإن قلّد من يرى حلّه لم تردّ شهادته. وذهب الحنفيّة إلى ردّ شهادة لاعب الشّطرنج بواحد ممّا يلي: إذا كان عن قمارٍ أو فوّت الصّلاة بسببه أو أكثر من الحلف عليه أو اللّعب به على الطّريق أو ذكر عليه فسقاً. وإنّما لم تردّ شهادته مطلقاً لشبهة الاختلاف في إباحته.
انظر: لعب, تصوير.
1 - اللّعن في اللغة: الإبعاد والطّرد من الخير, وقيل الطّرد والإبعاد من اللّه, ومن الخلق: السّب والدعاء, وكانت العرب في الجاهليّة تحيّي ملوكها: " أبيت اللّعن " ومعناه: أبيت أيها الملك أن تأتي ما تلعن عليه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
السّب: 2 - السّب لغةً واصطلاحاً هو: الشّتم, وهو مشافهة الغير بما يكره وإن لم يكن فيه حد. قال العز بن عبد السّلام: اللّعن أبلغ في القبح من السّبّ المطلق.
3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الدعاء على المسلم المصون باللّعن حرام. أمّا المسلم الفاسق المعيّن فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء: فالمذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة وهو قول ابن العربيّ من المالكيّة, أنّه لا يجوز لعنه لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّه أتى بشارب خمرٍ مراراً فقال بعض من حضره: اللّهمّ العنه ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: فواللّه ما علمت أنّه يحب اللّه ورسوله». وفي قولٍ عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه يجوز لعن الفاسق المعيّن لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو لأحد قنت بعد الركوع, كان يقول في بعض صلاة الفجر: «اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب». وقال القرطبي وابن حجرٍ: إنّه لا يجوز لعن من أقيم عليه الحد لأنّ الحدّ قد كفّر عنه الذّنب, ومن لم يقم عليه الحد فيجوز لعنه سواء سمّي أو عيّن أم لا, لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من تجب عليه اللّعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للّعن, فإذا تاب منها وأقلع وطهّره الحد فلا لعنة تتوجّه عليه. 4 - ويجوز لعن غير المعيّنين من الكفّار والمسلمين العصاة لما ورد: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لعن الواصلة والمستوصلة, ولعن آكل الرّبا, ولعن المصوّر, وقال: «لعن اللّه من غيّر منار الأرض», ولعن رعلاً وذكواناً وعصيّة, وهذه الثّلاثة قبائل من العرب, ولعن اليهود والنّصارى, لأنّ المراد: الجنس لا الأفراد وفيهم من يموت كافراً. ويكون اللّعن لبيان أنّ تلك الأوصاف: للتّنفير عنه, والتّحذير منه, لا لقصد اللّعن على كلّ فردٍ من هذه الأجناس, لأنّ لعن الواحد المعيّن كهذا الظّالم لا يجوز, فكيف كل فردٍ من أفراد هذه الأجناس, وإذا كان المراد الجنس لما قلنا من التّنفير والتّحذير, لا يلزم أن تكون تلك المعاصي من الكبائر خلافاً لمن ناط اللّعن بالكبائر, لأنّه ورد اللّعن في غيرها. 5 - أمّا الكافر المعيّن فإن كان حياً فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّه لا يجوز لعنه لأنّ حاله عند الوفاة لا تعلم وقد شرط اللّه تعالى في إطلاق اللّعنة الوفاة على الكفر وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}, ولأنّا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر. وفي روايةٍ عند الحنابلة وهو قول ابن العربيّ من المالكيّة, وفي قولٍ عند الشّافعيّة أنّه يجوز لعن الكافر المعيّن, قال ابن العربيّ: لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله. أمّا لعن الكفّار جملةً من غير تعيينٍ وكذلك من مات منهم على الكفر فلا خلاف في أنّه يجوز لعنهم, لما رواه مالك عن داود بن الحصين أنّه سمع الأعرج يقول: ما أدركت النّاس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان, قال القرطبي قال علماؤُنا: وسواء كانت لهم ذمّة أم لم تكن. وقد نصّ الشّافعيّة على أنّه لا يجوز لعن الحيوان والجماد لما ورد عن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما قال: «بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقةٍ فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنّها ملعونة ، قال عمران فكأنّي أراها الآن تمشي في النّاس ما يعرض لها أحد».
1 - اللّغْط بسكون الغين المعجمة وفتحها: هو الأصوات المبهمة المختلطة, والجلبة الّتي لا تفهم. واصطلاحاً عرّفه القليوبيّ بأنّه: الأصوات المرتفعة سواء كان بالقراءة أو الذّكر أو الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
اللّغو: 2 - اللّغو لغةً: ما لا يعتد به من كلامٍ وغيره, ولا يحصل منه على فائدةٍ ولا نفعٍ. وفي اصطلاح الفقهاء هو: ما لا معنى له ولا تترتّب عليه آثار في حقّ ثبوت الحكم. والعلاقة بينهما أنّ اللّغط يقصد معناه, واللّغو قد لا يقصد معناه.
3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب خفض الصّوت, ويكره اللّغط في ثلاثة مواضع: في حالة السّير في الجنازة, وفي القتال, وعند الذّكر سواء كان اللّغط - وهو رفع الصّوت - بالقراءة أو الذّكر, أو التّهليل أو الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم. واستدلوا بما ورد عن قيس بن عبّادٍ رضي الله عنه: كان أصحاب رسول اللّه يكرهون رفع الصّوت عند الجنائز وعند القتال وعند الذّكر. وقال ابن عابدين معلّقاً على هذا الأثر: فما ظنك عند الغناء الّذي يسمونّه وجداً ومحبّةً, وقال الشّربيني الخطيب: وما يفعله جهلة القرّاء بالتّمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه - عند الجنائز - فحرام يجب إنكاره. 4 - واستثنى الفقهاء من كراهية اللّغط ورفع الصّوت في الذّكر: التّلبية في الحجّ. فذهب جمهورهم إلى أنّه يستحب رفع الصّوت بالتّلبية لقوله صلى الله عليه وسلم: «جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمّد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتّلبية فإنّها من شعائر الحجّ», وخاصّةً عند تغير الأحوال: كركوب, ونزولٍ, وصعودٍ وهبوطٍ, واختلاط رفقةٍ. والتّفصيل في مصطلح: (تلبية ف 5 - 6).
1 - اللغة عند اللغويّين: اللّسَّن, وحدها أنّها أصوات يعبّر بها كل قومٍ عن أغراضهم, وهي فعلة من لغوت أي تكلّمت. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي لهذا اللّفظ عن المعنى اللغويّ.
أ - الكلام: 2 - الكلام في أصل اللغة: عبارةً عن أصواتٍ متتابعةٍ لمعنىً مفهومٍ. وقال الرّاغب الأصفهاني: الكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني الّتي تحتها مجموعة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. واللغة ترادف الكلام في بعض إطلاقاته. ب - البيان: 3 - البيان لغةً: الإظهار والتّوضيح والكشف عن الخفيّ أو المبهم. قال اللّه تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} أي الكلام الّذي يبيّن به ما في قلبه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. والبيان أخص من اللغة.
4 - اختلف في واضع اللغة على أقوالٍ: الأوّل: أنّ الواضع هو اللّه سبحانه وتعالى فهي توقيفيّة, وإليه ذهب الأشعري وأتباعه. الثّاني: أنّ الواضع هو البشر, وإليه ذهب أبو هاشمٍ ومن تبعه من المعتزلة فهي اصطلاحيّة. الثّالث: ابتداء اللغة توقيفي وقع بالتّعليم من اللّه, والباقي بالاصطلاح. الرّابع: ابتداؤُها وقع بالاصطلاح, والباقي توقيفي. الخامس: أنّ نفس الألفاظ دلّت على معانيها بذاتها, وبه قال عبادة بن سليمان. السّادس: أنّه يجوز كل من هذه الأقوال من غير جزمٍ بأحدها, قال الشّوكانيّ: وبه قال الجمهور. وقال الغزالي: أمّا الواقع في هذه الأقسام فلا مطمع في معرفته يقيناً, إلا ببرهان عقليٍّ, أو بتواتر خبرٍ, أو سمعٍ قاطعٍ, ولا مجال لبرهان العقل في هذا, ولم ينقل تواتر, ولا فيه سمع قاطع, فلا يبقى إلا رجم الظّنّ في أمرٍ لا يرتبط به تعبد عملي, ولا ترهق إلى اعتقاده حاجة, فالخوض فيه إذًا فضول لا أصل له. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
تتعلّق باللغة أحكام منها: 5 - تعلم اللغة مشروع بل ومطلوب في الجملة, لكنّ حكم تعلم اللغة العربيّة يختلف عن حكم تعلم غيرها من اللغات. أ - تعلم اللغة العربيّة: 6 - قال التمرتاشيّ والحصكفيّ: للعربيّة فضل على سائر الألسن, وهو لسان أهل الجنّة, من تعلّمها أو علّمها غيره فهو مأجور, وفي الحديث: «أحبوا العرب لثلاث: لأنّي عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنّة عربي». قال الشّافعي: لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً, وأولى النّاس بالفضل في اللّسان من لسانه لسانُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز - واللّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسانٍ غير لسانه في حرفٍ واحدٍ, بل كل لسانٍ تبع للسانه, وكل أهل دينٍ قبله فعليهم اتّباع دينه. ولمّا كان القرآن والسنّة المطهّرة واردين بلغة العرب, وكان العلم بهما متوقّفاً على العلم بها, ولا سبيل إلى طلب فهمهما من غير هذه الجهة كان العلم بها من أهمّ الواجبات فعلى كلّ مسلمٍ أن يتعلّم من لسان العرب ما بلغ جهده حتّى يشهد به أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله, ويتلو به كتاب اللّه, وينطق بالذّكر فيما افترض عليه من التّكبير, وأمر به في التّسبيح والتّشهد وغير ذلك, وأمّا التّبحر بعلوم العربيّة ممّا لا بدّ منه في فهم القرآن والسنّة المطهّرة, وأسرار الشّريعة فهو فرض كفايةٍ, إذا قام به بعض المسلمين سقط الحرج عن الباقين, وإذا أهملوا جميعاً أثموا. ب - تعلم غير العربيّ من اللغات: 7 - يباح تعلم غير العربيّة للأفراد, وقد تستحب لهم, ويجب تعلمها وجوب كفايةٍ للمصلحة العامّة, كاتّقاء شرّ الأعداء, وقد ورد عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه أنّه قال: «أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أتعلّم له كتاب يهود ، قال: إنّي واللّه ما آمن يهود على كتابٍ ، قال: فما مرّ بي نصف شهرٍ حتّى تعلّمته له ، قال: فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا له قرأت له كتابهم» وفي روايةٍ: «أنّه أمره أن يتعلّم السريانيّة», والإسلام رسالة عالميّة, قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}, ويجب على المسلمين تبليغ الرّسالة إلى النّاس جميعاً بلغة يفهمونها وجوب كفايةٍ.
8 - للغة العربيّة من حيث هي ألفاظ دالّة على معانٍ نظران: أحدهما: من جهة كونها ألفاظاً وعباراتٍ مطلقةً دالّةً على معانٍ مطلقةٍ وهي الدّلالة الأصليّة. والثّاني: من جهة كونها ألفاظاً وعباراتٍ مقيّدةً دالّةً على معانٍ خادمةٍ وهي الدّلالة الثّابتة. وقد بيّن الشّاطبيّ حكم ترجمة اللغة العربيّة إلى غيرها من اللغات بحسب كلّ واحدٍ من النّظرين. والتّفصيل في: (ترجمة ف 3).
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من آداب القضاء أن يتّخذ القاضي مترجماً فقد يتحاكم إليه أعجميّان لا يعرف لسانهما أو عربي وأعجمي فيفسّر المترجم له لغة المتخاصمين. واختلف الفقهاء في حكم اتّخاذ القاضي للمترجم وفي عدد من يتّخذه للتّرجمة: فذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كان المدّعي أو المدّعى عليه أعجمياً أو لا يعرف القاضي لغته وهما أو أحدهما على هذه الصّفة, أو لا يعرف أحدهما الآخر فعلى القاضي أن يأمر عدلين يترجمان للمدّعي وللمدّعى عليه وله ويفهم هو أيضاً ذلك, وهذا قول محمّد بن الحسن وزفر. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقبل قول الواحد العدل في التّرجمة. وقال الخرشيّ من المالكيّة: سمع القرينان أشهب وابن نافعٍ إن احتكم للقاضي خصوم يتكلّمون بغير العربيّة ولا يفقه كلامهم ينبغي أن يترجم عنهم رجل ثقة مأمون مسلم, واثنان أحب إليّ, ويجزئ الواحد, ولا تقبل ترجمة الكافر أو العبد أو المسخوط, ولا بأس بترجمة المرأة إن كانت من أهل العفاف. وقال الشّافعيّة: يتّخذ القاضي ندباً مترجماً, لأنّه قد يجهل لسان الخصوم أو الشهود, فإن كان القاضي يعرف لغة الخصوم لم يتّخذه, وشرطه أي المترجم عدالة وحرّيّة وعدد, أي اثنان ولو في زنا وإن كان شهوده كلهم أعجميّين لأنّه ينقل إلى القاضي قولاً لا يعرفه فأشبه المزكّي والشّاهد, نعم يكفي رجل وامرأتان فيما يثبت بهما, وقيس بهما أربع نسوةٍ فيما يثبت بهنّ, ويكفي اثنان عن الخصمين كشهود الفرع. وقال الحنابلة: إذا تحاكم إلى القاضي العربيّ أعجميّان لا يعرف لسانهما, أو أعجمي وعربي فلا بدّ من مترجمٍ عنهما ولا تقبل التّرجمة إلا من اثنين عدلين. والتّرجمة عندهم شهادة تفتقر إلى العدد والعدالة ويعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في الشّهادة على الإقرار بذلك الحقّ, فإن كان ممّا يتعلّق بالحدود والقصاص اعتبر فيه الحرّيّة ولم يكف إلا شاهدان ذكران, وإن كان ممّا لا يتعلّق بها كفى فيه ترجمة رجلٍ وامرأتين ولم تعتبر الحرّيّة فيه, وإن كان في حدّ زنا خرج في التّرجمة وجهان: أحدهما: لا يكفي فيه أقل من أربعة رجالٍ أحرارٍ عدولٍ, والثّاني: يكفي فيه اثنان.
10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا تجوز قراءة القرآن بغير العربيّة, ولا تصح الصّلاة بقراءة الفاتحة وغيرها بلغة غير العربيّة, وإن لم يحسن المصلّي العربيّة, لقوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وترجمة القرآن ليست قرآناً. وروي عن أبي حنيفة, جواز قراءة القرآن بالفارسيّة فيما يمكن ترجمته. والتّفصيل في مصطلح: (ترجمة ف 6). أمّا الإحرام في الصّلاة بالعجميّة والأذان بها, وإلقاء خطبة الجمعة بها, والتّشهد, وأذكار الصّلاة, فينظر في مصطلحي: (تكبيرة الإحرام ف 7, وترجمة ف 9).
1 - اللّغو: له معانٍ كثيرة في اللغة. منها: السّقط وما لا يعتد به من الكلام وغيره, ولا يحصل منه على فائدةٍ ولا نفعٍ. ومنها: ما لا يعقد عليه القلب مثل قول الرّجل: لا واللّه وبلى واللّه. قالت عائشة رضي الله عنها: إنّما اللّغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الّذي لا يعقد عليه القلب. وقال الشّافعي: اللّغو هو الكلام غير المعقود عليه. ومنها: الإثم, ومنه قوله تعالى {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}, والمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفّرتم. ومنها: اللّغط, ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ََلا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي الغطوا فيه. ومنها: النطق: يقال هذه لغتهم الّتي يلغون بها أي ينطقون بها, ولغو الطّير أصواتها. واصطلاحاً: ضم الكلام بما هو ساقط العبرة منه, وهو الّذي لا معنى له في حقّ ثبوت الحكم وغيره.
الباطل: 2 - الباطل لغةً: ما سقط حكمه, يقال بطل الشّيء يَبْطل بطلاً وبطولاً وبطلاناً: فسد أو سقط حكمه. واصطلاحاً: عرّفه البركتيّ: بأنّه الّذي لا يكون صحيحاً بأصله أو ما لا يعتد به ولا يفيد شيئاً أو ما كان فائت المعنى مع وجود الصورة إمّا لانعدام الأهليّة أو لانعدام المحلّيّة. والصّلة بين اللّغو والباطل, العموم والخصوص فالباطل أعم من اللّغو, فكل لغوٍ باطل وليس كل باطلٍ لغواً.
3 - اختلف الفقهاء في تعريف لغو اليمين. والتّفصيل في مصطلح: (أيمان ف 103). 4 - ذهب جمهور الفقهاء: إلى أنّه لا كفّارة في لغو اليمين ولا إثم على صاحبها لقوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} فجعل اللّه تعالى الكفّارة لليمين الّتي يؤاخذ بها ونفى المؤاخذة باللّغو فيلزم انتفاء الكفّارة. وممّن قال لا كفّارة في لغو اليمين: ابن عبّاسٍ وأبو هريرة وأبو مالكٍ وزرارة بن أوفى والحسن والنّخعيّ والأوزاعي والثّوري. وروي عن أحمد والنّخعيّ أنّ من حلف على شيءٍ يظنه كما حلف فلم يكن ففيه الكفّارة وليس من لغو اليمين, لأنّ اليمين باللّه تعالى وجدت مع المخالفة فأوجبت الكفّارة كاليمين على مستقبلٍ. والتّفصيل في: (كفّارة ف 9).
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ لغو اليمين يكون على أمرٍ في الماضي أو الحال أو المستقبل, كأن يقول الإنسان واللّه ما كلّمت زيداً وفي ظنّه واعتقاده أنّه لم يكلّمه, أو يقول واللّه لقد كلّمت زيداً وفي ظنّه أنّه كلّمه وهو بخلافه, أو يقول واللّه هذا الجائي لزيد وهو بخلافه, أو إنّ هذا الطّائر لغراب وفي ظنّه كذلك ثمّ تبيّن بخلافه, وما لا يعقد عليه قلبه ولم يقصد اليمين عليه وإنّما جرت على لسانه فهو من لغو اليمين ماضياً كان أو حالاً أو مستقبلاً. وكلام عائشة رضي الله عنها يدل على هذا فإنّها قالت: إنّما اللّغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الّذي لا يعقد عليه القلب. وذهب الحنفيّة والعدويّ وابن عرفة من المالكيّة: إلى أنّه لا لغو في يمين المستقبل, لأنّ اليمين في المستقبل يمين معقودة سواء وجد القصد أو لا. وتكفّر إن حنث. وقول عائشة رضي الله عنها يدل على أنّ يمين اللّغو ما يجري في كلام النّاس لا واللّه وبلى واللّه في الماضي لا في المستقبل, وأنّها فسّرتها بالماضي في بعض الرّوايات حينما سئلت عن يمين اللّغو فقالت: قول الرّجل: فعلنا واللّه كذا وضعنا واللّه كذا, واليمين المعقودة هي اليمين على أمرٍ في المستقبل نفياً أو إثباتاً مثل قول الرّجل: واللّه لا أفعل كذا وكذا, وقولـه: واللّه لأفعلنّ كذا. ولأنّ لغو اليمين بمستقبل غيب فلا يلزم من ترك الكفّارة في حلفه على ما وقع تركها في حلفه على ما لم يقع لعذر الأوّل وجراءة الثّاني.
6 - اختلف الفقهاء في حكم الإنصات لخطبة الجمعة وما يترتّب عليه من لغو من لا ينصت للخطبة, وذلك على تفصيلٍ في مصطلح: (استماع ف 12 - 14).
7 - ذهب المالكيّة: إلى أنّه لا بدّ أن تكون الخطبة باللغة العربيّة, فوقوعها بغير العربيّة لغو, فإن لم يكن في الجماعة من يعرف العربيّة والخطيب يعرفها وجبت, فإن لم يعرف الخطيب العربيّة لم تجب, ولا بدّ أن تكون جهراً فإسرارها كعدمها وتعاد جهراً, ولا بدّ أن تكون لها بال. (ر: خطبة ف 9).
1 - اللّفظ في اللغة: أن ترمي بشيء كان في فيك, واللّفظ بالشّيء: التّكلم به, ولفظ بقول حسنٍ: تكلّم به, ولفظ بالكلام: نطق كتلفّظ, ومن ذلك قوله جلّ وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إََِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}, وفي الحديث: «ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم» أي تقذفهم وترميهم. وفي اصطلاح الفقهاء: اللّفظ هو ما يتلفّظ به الإنسان أو من في حكمه مهملاً كان أو مستعملاً.
أ - الإشارة: 2 - الإشارة لغةً: التّلويح بشيء يفهم منه ما يفهم من النطق, وتشمل الإيماء إلى الشّيء بالكفّ والعين والحاجب وغيرها, ومنه: أشار عليه بكذا: إذا أبدى له رأيه, وتكون حسّيّةً عند الإطلاق. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. والصّلة بين الإشارة واللّفظ: أنّ الإشارة تفيد ما يفيده اللّفظ وتقوم مقامه أحياناً. ب - السكوت: 3 - السكوت هو الصّمت, وهو ضد النطق, يقال: سكت الصّائت سكوتًا: إذا صمت. وفي اصطلاح الفقهاء: السكوت مختص بترك الكلام مع القدرة عليه, وعلى هذا فالسكوت ضد التّلفظ والنطق.
أ - معرفة المراد عن طريق الألفاظ: 4 - الألفاظ ترجمان الإرادة والرّغبة في الأشياء والحاجات, ولهذا يقول ابن القيّم: إنّ اللّه تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالةً على ما في نفوسهم, فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئًا عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه ورتّب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ. ب - التّصرفات المقيّدة بألفاظ مخصوصةٍ وغير المقيّدة: هناك تصرفات تتقيّد بألفاظ مخصوصةٍ منها: أوّلاً: في العبادة: 5 - تتقيّد بعض العبادات ببعض الألفاظ فلا تصح بغيرها, كالأذان والإقامة وتكبيرة الإحرام والتّشهد في الصّلاة, وكذلك بعض الأذكار المأثورة. وللتّفصيل: (ر: ذكر ف 5 وما بعدها). ثانياً: في العقود: 6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العقود - غير عقدي النّكاح والسّلم - لا يشترط فيها لفظ معيّن, بل كل لفظٍ يؤدّي إلى المقصود يتم به العقد, وعلى هذا بنيت القاعدة الفقهيّة المعروفة " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ". أمّا عقد النّكاح فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه كبقيّة العقود الأخرى يتم بأيّ لفظٍ يدل على التّأبيد مدّة الحياة, ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ عقد النّكاح لا بدّ فيه من لفظٍ مشتقٍّ من لفظي التّزويج أو الإنكاح, لأنّهما وردتا في القرآن الكريم في قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} وقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} دون سواهما. وانفرد الشّافعيّة بإضافة عقد السّلم إلى عقد النّكاح في تقييده بألفاظ خاصّةٍ. وللتّفصيل: (ر: صيغة ف 6). ثالثاً: في الشّهادة: 7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا بدّ في أداء الشّهادة من لفظ " أشهد " فلا يقبل مثل قوله: أعلم أو أعرف أو أتيقّن إلا أنّ المالكيّة لم يشترطوا لفظاً مخصوصاً في الشّهادة, بل يكفي عندهم كل ما يدل على حصول علم الشّاهد بما شهد. وللتّفصيل: (ر: إثبات ف 10, شهادة. ف 27). رابعاً: في أيمان اللّعان: 8 - اشترط الفقهاء في أيمان اللّعان أن ترد فيها ألفاظ مخصوصة هي: أشهد, لعنة, غضب, وذلك لورود النّصّ القرآنيّ بذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. والتّفصيل في: (لعان, وأيمان ف 14). ج - الإكراه على التّلفظ بألفاظ مخصوصةٍ: 9 - الإكراه يؤثّر في الإرادة ويعد عيباً من عيوبها. وذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ الإكراه على التّلفظ بلفظ ما يمنع ترتيب أثره عليه ولو كان كلمة الكفر, لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}. ولحديث: «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه». وللتّفصيل: (ر: إكراه ف 18 - 24). د - قصد معاني الألفاظ: 10 - اللّفظ هو الصورة الّتي تحمل مراد المتكلّم إلى السّامع, فإذا كان صاحب اللّفظ جاهلاً بمعناه كالأعجميّ لم يعدّ اللّفظ صالحاً لتأدية هذا المعنى, فيسقط اعتباره. جاء في قواعد الأحكام: إذا نطق الأعجمي بكلمة كفرٍ أو إيمانٍ أو طلاقٍ أو بيعٍ أو شراءٍ أو صلحٍ أو إبراءٍ لم يؤاخذ بشيء من ذلك, لأنّه لم يلتزم مقتضاه ولم يقصد إليه, وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجميٍّ لا يعرف معناه فإنّه لا يؤاخذ بشيء من ذلك لأنّه لم يرده فإنّ الإرادة لا تتوجّه إلا إلى معلومٍ أو مظنونٍ, وإن قصد العربي النطق بشيء من هذا الكلام مع معرفته بمعانيه نفذ ذلك منه. إلا أنّ الحنفيّة أوقعوا طلاق النّاسي والخاطئ والذّاهل وكذلك يمينه, إذ القصد بالنّسبة لليمين والطّلاق ليس بشرط عندهم, كما أنّهم حكموا بإسلام الكافر إذا أجبر على التّلفظ بكلمة الإسلام على العكس من إجبار المسلم على التّلفظ بكلمة الكفر. وإذا تلفّظ بلفظ فقصد صورته دون معناه كالهازل أو اللاعب لم يترتّب على تصرفه أحكامه عند جمهور الفقهاء وكان لغواً إلا خمسة أمورٍ هي: طلاقه ويمينه ونكاحه ورجعته وعتقه, فإنّها تقع كلها منه, لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهنّ جد وهزلهنّ جد: النّكاح والطّلاق والرّجعة», وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: أربع جائزات إذا تكلّم بهنّ: الطّلاق والعتاق والنّكاح والنّذر. وللتّفصيل انظر مصطلحات: (صيغة ف 9, وعقد ف 6, وطلاق ف 28 وما بعدها, ونكاح, وهزل). هـ - اشتراك لفظٍ واحدٍ بين معنيين أو أكثر: 11 - المشترك اللّفظي هو اللّفظ الموضوع لغةً لمعنيين أو أكثر على سبيل البدل, أو هو أن يتّحد اللّفظ ويتعدّد المعنى على سبيل الحقيقة فيهما كالقرء, فإنّه حقيقة في الحيض والطهر. (ر: اشتراك ف 3). ولو حلف: لا يركب دابّةً أو لا يأكل لحماً أو لا يجلس على فراشٍ أو لا يشرب بارداً فإنّ كلاً من هذه الألفاظ - الدّابّة واللّحم والفراش والبارد - يحتمل عدّة معانٍ: إذ تطلق الدّابّة على الحمار والفرس, ويطلق اللّحم على الغنم والإبل والسّمك, ويشمل الفراش ما أعدّ للنّوم والجلوس, وكذلك البارد يشمل الماء وغيره, فلهذا يلجأ إلى نيّة الحالف أو قصد المتكلّم أو إلى العرف, ويصرف اللّفظ إليها. قال ابن القيّم: ممّا تتغيّر به الفتوى لتغير العرف والعادة موجبات الأيمان والإقرار والنذور وغيرها, فمن حلف: لا ركبت دابّةً, وكان في بلدٍ عرفهم في لفظ الدّابّة, الحمار خاصّةً اختصت يمينه به, ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل, ثمّ قال: فيفتى في كلّ بلدٍ بحسب عرف أهله, ويفتى كل أحدٍ بحسب عادته. وكذلك ما نقله ابن عابدين عن فتاوى قاسمٍ حيث قال: لفظ الواقف والموصي والحالف والنّاذر وكلّ عاقدٍ يحمل على عادته في خطابه ولغته الّتي يتكلّم بها, سواء وافقت لغة العرب ولغة الشّارع أو لا. و - الصّريح والكناية من الألفاظ: 12 - الصّريح في اللغة: هو الّذي خلص من تعلقات غيره, وفي الاصطلاح: اسم لكلام مكشوفٍ المراد به بسبب كثرة الاستعمال حتّى يظهر ظهوراً بيّناً. والكناية لغةً: أن يتكلّم بشيء يستدل به على المكنّى عنه, أمّا في الاصطلاح فهي كما قال الجرجاني: كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهراً في اللغة. ولهذا تنقسم الألفاظ إلى صريحٍ يظهر المراد به وكناية يخفى المراد بها, إلا مع قرينةٍ تظهره, وهذا التّقسيم يدخل في ألفاظ كثيرٍ من العقود والتّصرفات كالطّلاق والوقف والهبة والخطبة والنّكاح والخلع والظّهار والقذف والنّذر وغيرها ممّا تستعمل فيه ألفاظ صريحة وأخرى كنائيّة. وتعرف تفاصيل تلك الألفاظ في مصطلحاتها وفي مصطلح: (صريح ف 12 - 21, وكناية). ز - النّهي عن ألفاظٍ معيّنةٍ: 13 - ورد النّهي عن بعض الألفاظ لمقاصد شرعيّةٍ كقوله تعالى: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا}. ومن ذلك النّهي عن تسمية العنب بالكرمة, وصلاة المغرب بالعتمة ، والنّهي عن ألفاظ سلام الجاهليّة عم صباحاً ومساءً, والنّهي عن ابتداء أهل الذّمّة بألفاظ السّلام الخاصّة بالمؤمنين ، ونحو ذلك. وتنظر تفصيلات ذلك في مصطلحاتها.
1 - اللّقب في اللغة: هو ما يسمّى به الإنسان بعد اسمه الأوّل " العَلَم " من لفظٍ يدل على المدح أو الذّمّ لمعنىً فيه, والجمع ألقاب. واللّقب ضربان: ضرب على سبيل التّشريف كألقاب السّلاطين, وضرب على سبيل النّبز. ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغويّ. أ - الاسم: 2 - الاسم لغةً: ما وضع لشيء من الأشياء ودلّ على معنىً من المعاني, جوهراً كان أو عرضاً. واصطلاحاً: هو ما يعرف به الشّيء ويستدل به عليه, أو هو ما دلّ على معنىً في نفسه غير مقترنٍ بأحد الأزمنة الثّلاثة, وهو ينقسم إلى اسم عينٍ, وهو الدّال على معنىً يقوم بذاته كزيد وعمرٍو, وإلى اسم معنىً وهو ما لا يقع بذاته, سواء كان معنىً وجودياً كالعلم أو عدمياً كالجهل. والصّلة بين اللّقب والاسم أنّ ما قصد به التّعظيم أو التّحقير فهو لقب, وإلا فهو اسم. ب - الكنية: 3 - الكنية في اللغة: تطلق على الشّخص للتّعظيم, وتكون علماً غير الاسم واللّقب, وتصدّر بأبٍ أو أمٍّ, وذلك كأبي حفصٍ وأبي الحسن. وتستعمل الكنية مع الاسم ومع اللّقب أو بدونهما تفخيماً لشأن صاحبها أن يذكر اسمه مجرّداً, وتكون لأشراف النّاس. والصّلة أنّ الكنية تكون - غالباً - للتّفخيم, وأمّا اللّقب فقد يكون للمدح والتّفخيم أو الذّمّ.
قسّم الفقهاء أحكام النّبز بالألقاب إلى مستحبٍّ وجائزٍ ومكروهٍ وحرامٍ. 4 - فاللّقب إن كان من مستحبّ الألقاب, ومستحسنها, وليس فيه الإطراء المنهي عنه شرعاً فهو مستحب بشرط أن يكون الملقّب راضياً عنه, لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّه كان يعجبه أن يدعو الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه», ولأنّه صلى الله عليه وسلم لقّب الصّدّيق رضي الله عنه بعتيق وعلياً رضي الله عنه بأبي ترابٍ, وخالد بن الوليد رضي الله عنه بسيف اللّه. ولأنّه قلّ من المشاهير في الإسلام من ليس له لقب, ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلّها من العرب والعجم تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكيرٍ. 5 - وإن كان اللّقب عادياً لا يوصف بالمستحسن ولا بالمستقبح وكان الملقّب به راضياً عنه جاز, وكذا إن كان مستقبحاً ولا يرضى عنه الملقّب إلا أنّه تعيّن طريقاً إلى التّعريف به, حيث يغلب عليه الاستعمال ويشتهر به ولا يتميّز عن غيره إلا بذكر هذا اللّقب, فهذا جائز أيضاً عند جمهور الفقهاء وأهل العلم بشرط أن لا يكون إلقاء اللّقب على وجه التّعيير والتّنقيص. ومن أجل هذا أكثر العلماء من استعمال مثل هذه الألقاب للمؤلّفين والرواة والفقهاء كالأعمش والأعرج, وما أشبه ذلك من الألقاب. والأصل في ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المسمّى بحديث ذي اليدين: «أكما يقول ذو اليدين» وفي روايةٍ: «ما يقول ذو اليدين», وذلك لمّا سلّم في ركعتين من صلاة الظهر, ولأنّ داعية التّعريف في الجملة مصلحة يفتقر إليها, ومع ذلك فقد قال العلماء: لو أمكن تعريف صاحب اللّقب بغير ذلك اللّقب المكروه كان أولى, لحصول المقصود مع السّلامة من الغيبة. 6 - وذهب بعض العلماء إلى حرمة ذلك حتّى مع وجود الحاجة إلى التّعريف بالملقّب, ومن هؤُلاء الحسن البصري فقد نقل عنه أنّه قال: أخاف أن يكون قولنا حميد الطّويل غيبة, وقال ابن العربيّ من المالكيّة بعدما ذكر المسألة: وقد ورد لعمر اللّه من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه. ولا أراه سائغاً في الدّين, وقد كان موسى بن عليّ بن رباحٍ المصري يقول: لا أجعل أحداً صغّر اسم أبي في حلٍّ, وكان الغالب على اسم أبيه التّصغير بضمّ العين. 7 - أمّا إذا كان الشّخص لم يشتهر بهذا اللّقب, أو كان يتميّز عن غيره بغير هذا اللّقب من الأسماء والألقاب والكنى, أو كان إطلاق اللّقب عليه ليس على جهة التّعريف به, وإنّما على جهة التّنقيص والتّعيير فلا يجوز ذلك إجماعاً لقول اللّه تعالى: {وَََلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وقوله تعالى: {وَََلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}.
8 - إذا كان اللّقب من قبيل الإطراء المنهيّ عنه شرعاً كملك الأملاك وملك الملوك, وما أشبه ذلك من الألقاب الّتي ينبغي أن لا يوصف بها إلا اللّه عزّ وجلّ, فيحرم لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ أخنع اسمٍ عند اللّه رجل تسمّى ملك الأملاك», ولأنّ إطلاق مثل هذه الألقاب على غير اللّه تعالى وصف لذلك الغير بوصف الخالق الّذي لا يصح قيامه بغيره سبحانه.
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره تلقيب الفسّاق والعصاة والظّالمين والسّفلة بالألقاب العليّة الّتي تدل على التّعظيم أو التّشريف كسيّد وأستاذٍ وما أشبههما من ألقاب التّعظيم والتّبجيل, لما ورد عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا للمنافق سيّد فإنّه إن يك سيّداً فقد أسخطتم ربّكم عزّ وجلّ». ولأنّ في هذا تعظيم من أهانه اللّه بسبب معصيته وخرج بذلك عن حزب الرّحمن وانتظم في إخوان الشّياطين, فعلى المسلم إهانته وترك تعظيمه ليرتدع عما هو فيه فيرجع إلى الطّاعة. وقال الزّمخشريّ بعدما ذكر الألقاب الجائزة: إلا ما أحدثه النّاس في زماننا هذا من التّوسع حتّى لقّبوا السّفلة بالألقاب العليّة. فما أقول في تلقيب من ليس من الدّيّن في قبيلٍ ولا دبيرٍ بفلان الدّيّن هي لعمر اللّه الغصّة الّتي لا تساغ. قال ابن عابدين: ونظيره ما يقال للمدرّسين بالتركيّ: أفندي, وسلطانم ونحوه. كما تكره عندهم الألقاب القبيحة كشيطان وظالمٍ وشهابٍ وحمارٍ وكليبٍ.
1 - اللَّقْط بفتح اللام وسكون القاف كالنّصر - مصدر لَقَط يَلقُط - ومن معانيه في اللغة أخذ الشّيء من الأرض وجمعه, يقال: لقطه يلقطه لقطاً: أخذه من الأرض, ومنه اللُقَطَة وهي اسم الشّيء الّذي تجده ملقىً فتأخذه, واللّقيط وهو المولود المنبوذ. والمراد به عند الفقهاء أخذ أيّام النّقاء بين الدّمَين والحكم عليها بالطهر, والتقاط أزمنة الدّم والحكم عليها بالحيض. ويسمّى القول باللّقط كذلك القول بالتّلفيق.
السّحب: 2 - السّحب لغةً: جر الشّيء على وجه الأرض كالثّوب وغيره. وفي الاصطلاح: عرّفه الشّافعيّة بإعطاء النّقاء المتخلّل بين أيّام الحيض حكم الحيض, وسمّي بذلك لسحب حكم الحيض على النّقاء وجعل الكلّ حيضاً.
3 - اللّقط لفظ يستعمله الشّافعيّة غالباً فيما إذا انقطع دم المرأة وكانت ترى يوماً دماً ويوماً نقاءً أو يومين ويومين, ويختلف الحكم عند الفقهاء في انقطاع دم المرأة حسب اختلاف أحوال الانقطاع, فالطهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان خمسة عشر يوماً فصاعداً فإنّه طهر فاصل بين الدّمين عند جميع الفقهاء. واختلفوا في حكم الطهر بين الدّمين أقل من هذه المدّة, هل يعتبر فاصلاً أو لا ؟. فذهب الحنفيّة إلى أنّ الطهر الفاصل بين الدّمين إذا كان أقلّ من ثلاثة أيّامٍ لا يعتبر فاصلاً. وفيما زاد عن ثلاثة أيّامٍ إلى خمسة عشر يوماً فعن أبي حنيفة فيه أربع رواياتٍ روى أبو يوسف عنه أنّه قال: الطهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أقلّ من خمسة عشر يوماً يكون طهراً فاسداً ولا يكون فاصلاً بين الدّمين بل يكون كله كدم متوالٍ ثمّ يقدّر ما ينبغي أن يجعل حيضاً يجعل حيضاً والباقي يكون استحاضةً, وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّ الدّم إذا كان في طرفي العشرة فالطهر المتخلّل بينهما لا يكون فاصلاً ويجعل كله كدم متوالٍ, وإن لم يكن الدّم في طرفي العشرة كان الطهر فاصلاً بين الدّمين. ثمّ بعد ذلك إن أمكن أن يجعل أحد الدّمين حيضاً يجعل ذلك حيضاً, وإن أمكن أن يجعل كل واحدٍ منهما حيضاً يجعل أسرعهما حيضاً, وهو أوّلهما, وإن لم يمكن جعل أحدهما حيضاً لا يجعل شيء من ذلك حيضاً, وروى عبد اللّه بن المبارك عن أبي حنيفة أنّ الدّم إذا كان في طرفي العشرة وكان بحال لو جمعت الدّماء المتفرّقة تبلغ حيضاً لا يصير الطهر فاصلاً بين الدّمين, ويكون كله حيضاً, وإن كان بحال لو جمع لا يبلغ حيضاً يصير فاصلاً بين الدّمين ثمّ ينظر إن أمكن أن يجعل أحد الدّمين حيضاً يجعل ذلك حيضاً وإن أمكن أن يجعل كل واحدٍ منهما حيضاً يجعل أسرعهما حيضاً وإن لم يمكن أن يجعل أحدهما حيضاً لا يجعل شيء من ذلك حيضاً, وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّ الطهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أقلّ من ثلاثة أيّامٍ لا يكون فاصلاً بين الدّمين وكله بمنزلة المتوالي, وإذا كان ثلاثة أيّامٍ كان فاصلاً بينهما, ثمّ ينظر إن أمكن أن يجعل أحد الدّمين حيضاً جعل, وإن أمكن أن يجعل كل واحدٍ منهما حيضاً يجعل أسرعهما, وإن لم يمكن أن يجعل شيء من ذلك حيضاً لا يجعل حيضاً, واختار محمّد لنفسه في كتاب الحيض مذهباً فقال: الطهر المتخلّل بين الدّمين إذا كان أقلّ من ثلاثة أيّامٍ لا يعتبر فاصلاً وإن كان أكثر من الدّمين يكون بمنزلة الدّم المتوالي, وإذا كان ثلاثة أيّامٍ فصاعداً فهو طهر كثير فيعتبر, لكن ينظر بعد ذلك إن كان الطهر مثل الدّمين أو أقلّ من الدّمين في العشرة لا يكون فاصلاً وإن كان أكثر من الدّمين يكون فاصلاً ثمّ ينظر إن أمكن أن يجعل أحدهما حيضاً جعل وإن أمكن أن يجعل كل واحدٍ منهما حيضاً يجعل أسرعهما حيضاً وإن لم يمكن أن يجعل أحدهما حيضاً لا يجعل شيء من ذلك حيضاً. قال في الفتاوى الهنديّة: وكثير من المتأخّرين أفتوا برواية أبي يوسف لأنّها أسهل على المفتي والمستفتي والأخذ بها أيسر كذا في الهداية وعليه استقرّ رأي الصّدر الشّهيد حسام الدّين وبه يفتي. ويرى المالكيّة في مسألة التّقطع هذه أنّ المرأة تلفّق, أي تجمع أيّام الدّم فقط لا أيّام الطهر, وتغتسل وجوباً كلّما انقطع الدّم فيها في أيّام التّلفيق, وتصوم إن كانت قبل الفجر طاهراً, وتصلّي بعد طهرها, مع تفصيلٍ في ذلك مبتدأة ومعتادة وحامل. وعند الشّافعيّة إذا كان الانقطاع قبل مجاوزة الخمسة عشر قولان: القول الأوّل: قول السّحب, وهو أنّ حكم الحيض ينسحب على أيّام النّقاء, فتحيض فيها جميعاً, لأنّ زمان النّقاء ناقص عن أقلّ الطهر فيكون حيضاً, كساعات الفترة بين دفعات الدّم. والقول الثّاني: قول اللّقط والتّلفيق, وهو أن تلتقط أيّام النّقاء وتلفّق, ويحكم بالطهر فيها, وحيضها أزمنة الدّم لا غير, لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} أي ينقطع دمهنّ, وقد انقطع فيجوز القربان, ولأنّه لا يحكم في أيّام الدّم حقيقةً بالطهر فكذلك لا يحكم في أيّام النّقاء حقيقةً بالحيض توفيراً لحكم كلّ واحدةٍ من الحالتين عليها. ونقل النّووي اختلاف الشّافعيّة في الأصحّ منهما, ثمّ قال: والحاصل أنّ الرّاجح عندنا قول السّحب. وقال الرّملي: ومحل القولين في الصّلاة والصّوم ونحوهما, فلا يجعل النّقاء طهراً في انقضاء العدّة إجماعاً, ثمّ قال: وشرط جعل النّقاء بين الدّم حيضاً أن لا يجاوز خمسة عشر يوماً ولا ينقص مجموع الدّماء عن أقلّ الحيض, وأن يكون النّقاء زائداً على الفترات المعتادة بين دفعات الحيض, فإنّ تلك حيض قطعاً. وذهب الحنابلة في مسألة تقطع الدّم إلى أنّ المرأة تغتسل وتصلّي في زمن الطهر حتّى ولو كان ساعةً, لقول ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعةً إلا أن تغتسل. وقال الرّحيبانيّ: إنّ الطهر في أثناء الحيضة صحيح تغتسل فيه وتصلّي ونحوه أي تصوم وتطوف وتقرأ القرآن, ولا يكره فيه الوطء, لأنّه طهر حقيقةً. والتّفصيل في مصطلح: (تلفيق ف 4, 5).
1 - اللقطة في اللغة: من لقط أي أخذ الشّيء من الأرض, وكل نثارةٍ من سنبلٍ أو تمرٍ لقط. واللقطة شرعاً هي المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره, أو الشّيء الّذي يجده المرء ملقىً فيأخذه أمانةً.
أ - اللّقيط: 2 - سمّي لقيطاً وملقوطاً باعتبار أنّه يلقط, ومنبوذاً باعتبار أنّه ينبذ, ويسمّى أيضاً دعياً, وشرعاً اللّقيط: اسم المولود طرحه أهله خوفاً من العيلة أو فراراً من تهمة الزّنا, أو هو طفل نبيذ بنحو شارعٍ لا يعرف له مدّعٍ. قال تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} واللقطة أعم من اللّقيط. ب - الكنز: 3 - الكنز هو المال المدفون الّذي لا يعرف دافنه. واللقطة والكنز صاحبهما غير معروفٍ.
4 - اختلف الفقهاء في حكم الالتقاط على ما يأتي: ذهب الحنفيّة إلى أنّه يندب رفع اللقطة من على الأرض إن أمن الملتقط على نفسه تعريفها, وإلا فالتّرك أولى من الرّفع, وإن أخذها لنفسه حرم, لأنّها كالغصب في هذه الحالة. ويفرض عليه أخذها إذا خاف من الضّياع, لأنّ لمال المسلم حرمة كمال نفسه فلو تركها حتّى ضاعت كان آثماً. وذهب المالكيّة إلى أنّه إن كان الملتقط يعلم من نفسه الخيانة كان الالتقاط حراماً, وإن كان يخاف أن يستفزّه الشّيطان ولا يتحقّق من ذلك فيكون مكروهاً, وإن كان يثق بأمانة نفسه, فإمّا أن يكون بين ناسٍ لا بأس بهم ولا يخاف عليها الخونة, وإمّا أن يخافهم فإن خافهم وجب عليه الالتقاط, وإن لم يخفهم فلمالك ثلاثة أقوالٍ في هذه الحالة: الأوّل: الاستحباب مطلقاً. الثّاني: الاستحباب فيما له بال فقط. الثّالث: الكراهة. وقال الشّافعي: إذا وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها, واختار أبو الخطّاب ذلك وحكي عن الشّافعيّ قول آخر: أنّه يجب أخذها صيانةً للمال عن الضّياع, وذلك لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}. فإذا كان المؤمن ولياً للمؤمن فقد وجب عليه حفظ ماله فلا يتركه عرضةً للضّياع. وممّن رأى أخذها سعيد بن المسيّب والحسن بن صالحٍ وأخذها أبي بن كعبٍ فعلاً. ويرى أحمد أنّ الأفضل ترك الالتقاط وروي معنى ذلك عن ابن عبّاسٍ وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال جابر وابن زيدٍ والرّبيع بن خيثمٍ وعطاء, وحجّتهم: حديث الجارود مرفوعاً: «ضالّة المسلم حرق النّار». ولأنّه تعويض لنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب في تعريفها وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم.
|